Friday, October 12, 2012


مُعَارَضَةُ حائِيَّةِ أمَيَّة بن أبي الصَّلت

بقلم: رياض الحبيّب On Mon. 12/12/2011


 
ذكر الأب اليسوعي لويس شيخو في كتابه «شعراء النصرانيّة» ج۱ ق ۲ ص ۲۲۲ أنّ أمَيَّة بن أبي الصَّلت {كان مع قريش لمّا ظهر الإسلام فقاوم مُحَمَّدًا وحَرَّضَ قُرَيْشَ عليه. فلمّا أن سافر إلى الشام وعاد إلى الحجاز، عَقِب وقعة بدر، مَرّ بالقلِـيب (وهو بئر) فقيل له أنّ فيه قتلى بدر ومنهم عُتبَة وشَيْبَة ابنا ربيعة (بن عبد شمس بن مناف) وهما ابنا خال أميّة فجَدَعَ أذني ناقته وقال قصيدته التي رثى بها مَن قُتِل مِن قريش ببدر وحَرَّضَهُم على أخذ الثأر} – انتهى. عِلمًا أنّ أمَّ أميّة تدعى رُقيَّة بنت عبد شمس بن مناف وأحد إخوتها يُدعى أمَيَّة أيضًا وهو جَدّ الأمويّين. أمّا عُتْبَة فهو والد الوليد (الذي قُتِل في بدر أيضًا) وهند زوج (زوجة) أبي سفيان بن حرب وأمّ معاوية. وبالمناسبة؛ كانت هند شاعرة متمكنة، ضاهت- بحسب رأيي- الشاعرة الخنساء مُعاصِرتها. وقد روى اٌبن هشام في السيرة النبويّة (مج ۳) قصيدة أمَيّة بن أبي الصّلت الرِّثائيَّة، نقلًا عن ابن إسحق، ثمّ قال: (تركنا منها بيتين نال فيهما مِن أصحاب الرسول) فاقتطفت منها التالي

ألّا بَكيْتَ على الكِرامِ بَنِي الكرامِ أولي المَمَادِحْ
كبُكا الحَمَام على فروع الأيكِ في الغُصُن الجَوانِحْ
ماذا ببَدرٍ والعَـقنــقلِ مِن مَرازبةٍ جَحَاجحْ
أنْ قد تغيّرَ بَطنُ مَكّة فهْيَ مُوحِشة الأباطِحْ
مِن كُلّ بَطريقٍ لِبَطــريقٍ نقِيّ اللون واضحْ
القائِلين الفاعِـليــن الآمِـرين بكلّ صالحْ
المُطْعِـمِين الشحْمَ فوق الخبز شحمًا كالأنافِحْ
لكرامِهِمْ فوق الكِرامِ مَزِيَّة وَزن الرّواجحْ
كتثاقُـل الأرطال بالـقِسْـطاس في الأيدي النَّوافِحْ
خذلتْهُمُ فِئةٌ وهُمْ -- يَحْمُون عَـوراتِ الفضائحْ
ولقد عَـناني صوتُهُمْ -- مِن بين مُسْتسْقٍ وصابحْ
للهِ دَرّ بَـنِـي عَـليٍّ أيِّـمٍ مِـنهُـمْ وناكِـحْ
إن لمْ يُغِيْروا غارة -- شعواءَ تُحْجرُ كلّ نابحْ
بالمُقـرِباتِ المُبْعِـداتِ الطّامِحاتِ مع الطّوامِحْ
مُرْدًا على جُرْدٍ إلى -- أُسُدٍ مُكالِـبةٍ كوالحْ
ويُلاق قِرْنٌ قِرنهُ -- مَشْيَ المُصافِحِ للمُصافِحْ
بزهاء ألفٍ ثم ألـفٍ بين ذي بَدَنٍ ورامِحْ
* * *
ولقد قررت معارضة هذه القصيدة المُؤثِّرة، أي مقابلتها بقصيدة من وزنها (مجزوء بحر الكامل) ومن قافيتها وحرف رَوِيِّها وهو الحاء؛ ذلك نظرًا لوجود تشابه بين الظرف الذي دفع الشاعر إلى إنشادها وبين الظرف الذي تمرّ به بلدان الخريف الناطقة بالعربيّة
المُعارَضَة
------------
أضحى إذًا زمن الفضائِحْ * كُـفّـوا الضَّغائِن والمَذابحْ
إنّي أحَـذِّرُكُمْ: يَراعي بالحـقائقِ غـيرُ مازِحْ
عِـثـتُمْ بما طُفـتُمْ على الأنحاءِ تجْمَعُكُمْ مَصالِحْ
سَخَّرتُمُ الدِّين الذي للهِ في عَمَل القبائِحْ
راياتكمْ خُضْرًا وسُوْدًا لا تلِـيق بظِلّ سابحْ ۱
بَلْ راية بيضاءُ يرفعُها المُسالِمُ والمُصافِحْ
ماذا فعلتُمُ بالعِراقِ ومِصْرَ مِن عَبَثٍ وطالِحْ
وبسائر الأوطان ما * بَقِيَتْ مَخالبُ للجوارحْ
آوتكُمُ البُلدانُ قلتُمُ: داخلون بسيفِ فاتِحْ
مِنها العِراق أعادَ نفحُ أريجهِ فتحَ القرائحْ
وعواصِمُ الصّحراء أطلقتِ السُّمُومَ على النوافِحْ
ألقتْ على المُدُن الظلامَ فغيَّرتْ بعضَ الملامِحْ
حَظِيَتْ بدَعْـمٍ أعجَميٍّ هَـمُّهُ الثرواتُ رابحْ
والأخطبوط يُرى هُنا * وهُناك ليت البئرَ نازِحْ ۲
سَبَّحْـتُ في بلدي الإلهَ الحَيَّ أهزجُ بالمَدائحْ
وغدًا طريقي بَيْتَ لحْمَ أزورُها بجواز سائِحْ
مُتعـلِّـلًـا مُتـبَـسِّـمًا * مُتـنوِّرًا والحُبُّ واضِحْ
خسِئَ الغريبُ ووَجْهُهُ * في دارِ أهلِ الدار كالِحْ
* *
ثِـقْ يا أمَيَّةُ أنَّ شِعْـرَكَ مُلهِمُ الشُّعَراءِ ناجـحْ
نشدو بهِ بحرارةٍ * ما بين مُغـتبطٍ ونائِـحْ
قلْ (باٌسمِكَ اللهُمَّ) أنّى قُلتها: خيرُ الفواتِحْ ۳
يا مُطمَئِنًّا بالمَسيحِ مَسِـيحُـنا سَمْحٌ مُسامِحْ
رَفعَ الخطايا بالصَّليب وخصْمُهُ بالشّتمِ قادِحْ
لكنّهُ لن يترُكَ الشِّرِّيرَ يَعْبَثُ بالمَسَارحْ
سيرُدّهُ رَدَّ الطّغاة عِـقابُهُمْ قاسٍ وفاضِحْ
إنَّا سألنا اللهَ نورًا للرّعـيّةِ لا يُـبارحْ
ما عاد بين النّاس مَن * ساوى المَمَادِحَ بالمَقابحْ ٤
أو خالَ أنّ الوقت للعَثراتِ والأوهامِ سانِحْ
فمَنِ اٌرعـوى خيرٌ لهُ * ذو اللُّبِّ يَقبَلُ بالنصائِحْ
بالعقل ميزانُ الأمور وبالدليلِ الرأيُ راجحْ
فليَشرَبَنْ ماءَ الحياةِ فغيرُهُ مَجٌّ ومالِحْ ٥
* * *
۱
السَّابح مِن الخيل: الحَسَنُ مَدِّ اليَدَين في الجَرْي- قاموس
قال الأعشى قيس- من السّريع: كمْ فيهِمُ مِن شَطْبَةٍ خـَيفـَقٍ - وسابحٍ ذي مَيْعَةٍ ضامِرِ
وقال المتنبّي- من الطويل: أعَـزّ مكانٍ في الدُّنى سَرْجُ سابحٍ -- وخيرُ جَليسٍ في الزمان كتابُ
۲
نُزِحَتِ البئرُ إِذا اٌستُـقِيَ ماؤُها حتى نفد ما فيها فهي نازِح- قاموس- لكنّ المقصود في القصيدة: بئر النفط- البترول
۳
صاحب البسملة «باٌسمِك اللهُمّ» هو أمَيَّة بن أبي الصَّلت- مِن سيرة الشّاعـر
٤
المَمادِحُ: ما يُستحسَنُ مِن الأخلاق، أمّا المَقابحُ: ما يُسْتقبَحُ منها- قاموس
٥
إشارة إلى قول الربِّ يسوع له المجد: {كُلُّ مَن يَشرَبُ مِن هذا الماء يَعْطشُ أيضًا. ولكنْ مَن يَشرَبُ مِن الماء الذي أعطيهِ أنا فلن يَعْطشَ إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيهِ يصِيرُ فيه ينبوع ماءٍ ينبَعُ إلى حياةٍ أبَديَّة} – يوحنّا ٤: ۱۳-۱٤
* * *
ملاحظة: إن الأبيات غير المفـصولة صُدورُها عن أعجازها بهذه الفاصلة (*) أبياتٌ مُدَوَّرة
والبيت المُدَوَّر: ما اشترك شطراه (أي الصّدر والعَجُز) بكلمة واحدة. مثالًا؛ يُكتَبُ البيتُ التالي بحسب التقطيع الشِّعْري هكذا
ثِـق يا أمَيَّة أنَّ شِعْــ ــ ــ ــرَكَ مُلهِمُ الشُّعَراءِ ناجـحْ
والأبيات المدوّرة مألوفة وغالبًا في مجزوء كلٍّ من الكامل والرَّمَل وفي الخفيف والمتقارب

No comments:

Post a Comment