Friday, October 12, 2012


مُعَارَضَةُ حائِيَّةِ أمَيَّة بن أبي الصَّلت

بقلم: رياض الحبيّب On Mon. 12/12/2011


 
ذكر الأب اليسوعي لويس شيخو في كتابه «شعراء النصرانيّة» ج۱ ق ۲ ص ۲۲۲ أنّ أمَيَّة بن أبي الصَّلت {كان مع قريش لمّا ظهر الإسلام فقاوم مُحَمَّدًا وحَرَّضَ قُرَيْشَ عليه. فلمّا أن سافر إلى الشام وعاد إلى الحجاز، عَقِب وقعة بدر، مَرّ بالقلِـيب (وهو بئر) فقيل له أنّ فيه قتلى بدر ومنهم عُتبَة وشَيْبَة ابنا ربيعة (بن عبد شمس بن مناف) وهما ابنا خال أميّة فجَدَعَ أذني ناقته وقال قصيدته التي رثى بها مَن قُتِل مِن قريش ببدر وحَرَّضَهُم على أخذ الثأر} – انتهى. عِلمًا أنّ أمَّ أميّة تدعى رُقيَّة بنت عبد شمس بن مناف وأحد إخوتها يُدعى أمَيَّة أيضًا وهو جَدّ الأمويّين. أمّا عُتْبَة فهو والد الوليد (الذي قُتِل في بدر أيضًا) وهند زوج (زوجة) أبي سفيان بن حرب وأمّ معاوية. وبالمناسبة؛ كانت هند شاعرة متمكنة، ضاهت- بحسب رأيي- الشاعرة الخنساء مُعاصِرتها. وقد روى اٌبن هشام في السيرة النبويّة (مج ۳) قصيدة أمَيّة بن أبي الصّلت الرِّثائيَّة، نقلًا عن ابن إسحق، ثمّ قال: (تركنا منها بيتين نال فيهما مِن أصحاب الرسول) فاقتطفت منها التالي

ألّا بَكيْتَ على الكِرامِ بَنِي الكرامِ أولي المَمَادِحْ
كبُكا الحَمَام على فروع الأيكِ في الغُصُن الجَوانِحْ
ماذا ببَدرٍ والعَـقنــقلِ مِن مَرازبةٍ جَحَاجحْ
أنْ قد تغيّرَ بَطنُ مَكّة فهْيَ مُوحِشة الأباطِحْ
مِن كُلّ بَطريقٍ لِبَطــريقٍ نقِيّ اللون واضحْ
القائِلين الفاعِـليــن الآمِـرين بكلّ صالحْ
المُطْعِـمِين الشحْمَ فوق الخبز شحمًا كالأنافِحْ
لكرامِهِمْ فوق الكِرامِ مَزِيَّة وَزن الرّواجحْ
كتثاقُـل الأرطال بالـقِسْـطاس في الأيدي النَّوافِحْ
خذلتْهُمُ فِئةٌ وهُمْ -- يَحْمُون عَـوراتِ الفضائحْ
ولقد عَـناني صوتُهُمْ -- مِن بين مُسْتسْقٍ وصابحْ
للهِ دَرّ بَـنِـي عَـليٍّ أيِّـمٍ مِـنهُـمْ وناكِـحْ
إن لمْ يُغِيْروا غارة -- شعواءَ تُحْجرُ كلّ نابحْ
بالمُقـرِباتِ المُبْعِـداتِ الطّامِحاتِ مع الطّوامِحْ
مُرْدًا على جُرْدٍ إلى -- أُسُدٍ مُكالِـبةٍ كوالحْ
ويُلاق قِرْنٌ قِرنهُ -- مَشْيَ المُصافِحِ للمُصافِحْ
بزهاء ألفٍ ثم ألـفٍ بين ذي بَدَنٍ ورامِحْ
* * *
ولقد قررت معارضة هذه القصيدة المُؤثِّرة، أي مقابلتها بقصيدة من وزنها (مجزوء بحر الكامل) ومن قافيتها وحرف رَوِيِّها وهو الحاء؛ ذلك نظرًا لوجود تشابه بين الظرف الذي دفع الشاعر إلى إنشادها وبين الظرف الذي تمرّ به بلدان الخريف الناطقة بالعربيّة
المُعارَضَة
------------
أضحى إذًا زمن الفضائِحْ * كُـفّـوا الضَّغائِن والمَذابحْ
إنّي أحَـذِّرُكُمْ: يَراعي بالحـقائقِ غـيرُ مازِحْ
عِـثـتُمْ بما طُفـتُمْ على الأنحاءِ تجْمَعُكُمْ مَصالِحْ
سَخَّرتُمُ الدِّين الذي للهِ في عَمَل القبائِحْ
راياتكمْ خُضْرًا وسُوْدًا لا تلِـيق بظِلّ سابحْ ۱
بَلْ راية بيضاءُ يرفعُها المُسالِمُ والمُصافِحْ
ماذا فعلتُمُ بالعِراقِ ومِصْرَ مِن عَبَثٍ وطالِحْ
وبسائر الأوطان ما * بَقِيَتْ مَخالبُ للجوارحْ
آوتكُمُ البُلدانُ قلتُمُ: داخلون بسيفِ فاتِحْ
مِنها العِراق أعادَ نفحُ أريجهِ فتحَ القرائحْ
وعواصِمُ الصّحراء أطلقتِ السُّمُومَ على النوافِحْ
ألقتْ على المُدُن الظلامَ فغيَّرتْ بعضَ الملامِحْ
حَظِيَتْ بدَعْـمٍ أعجَميٍّ هَـمُّهُ الثرواتُ رابحْ
والأخطبوط يُرى هُنا * وهُناك ليت البئرَ نازِحْ ۲
سَبَّحْـتُ في بلدي الإلهَ الحَيَّ أهزجُ بالمَدائحْ
وغدًا طريقي بَيْتَ لحْمَ أزورُها بجواز سائِحْ
مُتعـلِّـلًـا مُتـبَـسِّـمًا * مُتـنوِّرًا والحُبُّ واضِحْ
خسِئَ الغريبُ ووَجْهُهُ * في دارِ أهلِ الدار كالِحْ
* *
ثِـقْ يا أمَيَّةُ أنَّ شِعْـرَكَ مُلهِمُ الشُّعَراءِ ناجـحْ
نشدو بهِ بحرارةٍ * ما بين مُغـتبطٍ ونائِـحْ
قلْ (باٌسمِكَ اللهُمَّ) أنّى قُلتها: خيرُ الفواتِحْ ۳
يا مُطمَئِنًّا بالمَسيحِ مَسِـيحُـنا سَمْحٌ مُسامِحْ
رَفعَ الخطايا بالصَّليب وخصْمُهُ بالشّتمِ قادِحْ
لكنّهُ لن يترُكَ الشِّرِّيرَ يَعْبَثُ بالمَسَارحْ
سيرُدّهُ رَدَّ الطّغاة عِـقابُهُمْ قاسٍ وفاضِحْ
إنَّا سألنا اللهَ نورًا للرّعـيّةِ لا يُـبارحْ
ما عاد بين النّاس مَن * ساوى المَمَادِحَ بالمَقابحْ ٤
أو خالَ أنّ الوقت للعَثراتِ والأوهامِ سانِحْ
فمَنِ اٌرعـوى خيرٌ لهُ * ذو اللُّبِّ يَقبَلُ بالنصائِحْ
بالعقل ميزانُ الأمور وبالدليلِ الرأيُ راجحْ
فليَشرَبَنْ ماءَ الحياةِ فغيرُهُ مَجٌّ ومالِحْ ٥
* * *
۱
السَّابح مِن الخيل: الحَسَنُ مَدِّ اليَدَين في الجَرْي- قاموس
قال الأعشى قيس- من السّريع: كمْ فيهِمُ مِن شَطْبَةٍ خـَيفـَقٍ - وسابحٍ ذي مَيْعَةٍ ضامِرِ
وقال المتنبّي- من الطويل: أعَـزّ مكانٍ في الدُّنى سَرْجُ سابحٍ -- وخيرُ جَليسٍ في الزمان كتابُ
۲
نُزِحَتِ البئرُ إِذا اٌستُـقِيَ ماؤُها حتى نفد ما فيها فهي نازِح- قاموس- لكنّ المقصود في القصيدة: بئر النفط- البترول
۳
صاحب البسملة «باٌسمِك اللهُمّ» هو أمَيَّة بن أبي الصَّلت- مِن سيرة الشّاعـر
٤
المَمادِحُ: ما يُستحسَنُ مِن الأخلاق، أمّا المَقابحُ: ما يُسْتقبَحُ منها- قاموس
٥
إشارة إلى قول الربِّ يسوع له المجد: {كُلُّ مَن يَشرَبُ مِن هذا الماء يَعْطشُ أيضًا. ولكنْ مَن يَشرَبُ مِن الماء الذي أعطيهِ أنا فلن يَعْطشَ إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيهِ يصِيرُ فيه ينبوع ماءٍ ينبَعُ إلى حياةٍ أبَديَّة} – يوحنّا ٤: ۱۳-۱٤
* * *
ملاحظة: إن الأبيات غير المفـصولة صُدورُها عن أعجازها بهذه الفاصلة (*) أبياتٌ مُدَوَّرة
والبيت المُدَوَّر: ما اشترك شطراه (أي الصّدر والعَجُز) بكلمة واحدة. مثالًا؛ يُكتَبُ البيتُ التالي بحسب التقطيع الشِّعْري هكذا
ثِـق يا أمَيَّة أنَّ شِعْــ ــ ــ ــرَكَ مُلهِمُ الشُّعَراءِ ناجـحْ
والأبيات المدوّرة مألوفة وغالبًا في مجزوء كلٍّ من الكامل والرَّمَل وفي الخفيف والمتقارب

معارضة البندقـيّة بمزهـريّة

معارضة قصيدة «أصبح عندي الآن بندقية» للشاعر نزار قباني 1

عيّرَني الغربيّ إذ رآني
أحمل أوراقي من الشرق وعنفواني
قابلني وقهوتي
تحتلّ أقواسًا مِن الشّطآنِ
خلف جدار الصمتِ والأوطانِ
وفي يدي اليمنى كتابُ حُجّة الزمانِ
في الجهة اليسرى سَجا مُسجّل الأغاني
ضجّ بفيروز وأسمهانِ
_ _ _
بادلتُهُ التحيّة 2
بادَلني الشعورَ بالأغنيّة
أصبح عندي الآن مَزهريّة
خالية من شوكة التحريض
والقتل على الهويّة
رَوَيتُها مِن المعاناة
ومِن نزف دم الضحيّة
لو أدرك الخصمانِ
أنّ العَيْن بالعَيْن
مِن الوسائل الغبيّة
لأيقنا أنّ الحوارَ يحسِمُ القضيّة
أنعِمْ بمزهريّةٍ نديّة
جائزة العدالة السّويّة
هديّة لخادم السلام والحُريّة
_ _ _
ودار يا ما دار من حوارْ
قال: أتدري! عندنا أسرارْ
ننعَتُ مَن يَفرّ مِن بلادِهِ
بالنذلِ والجبانِ
لأنّهُ اٌستسلمَ للظلم وللطغيانِ
أمّا الذي أمامي
مختلفٌ عن غيرهِ قليلا
لأنهُ أبكاني
وزادني فضولا
حيّرَني مَنطِقُكَ المربوط بالميزانِ
حيّرَني أنّك إنسان كما الإنسانِ
_ _ _
قلتُ: رضعْتُ مِن هواء وطني الغبارْ
والجوّ هَرْجْ
إنّ لدينا أعذبَ الأنهارْ
والماءُ مَجّ
فتحْتُ عَينيّ إذا النهارْ
مَصْيَدة للعين ذاتِ الوَهْجْ
تحسَبُني مِن فِتيةٍ أحرارْ
وخيرُ مَن يقودُنا
قِيلَ: مِن الشّطّارْ
تظنّني أرضى بحمل العارْ؟
فأطلب اللجوءْ
يا صاحبي ثِق أنّنا ننهارْ
في وطنٍ موبوءْ
شائعة بسيطة تكفي لكي
يُدَقّ بابُ الدارْ
تُوقِدنا وفجأة نحتجّ
من رَسْمةٍ عاديّةٍ نخرّبُ الأسوارْ
نخرُجُ بالوعي وباللاوعي كالثوّارْ
ميداننا يرتجّ
لنا لسان طُولُهُ أمتار
رصيدُهُ من الكلام: الفجّ
_ _ _
إنّ السّياسيّين في بلداننا
تنقصهم موهبة التفكير في هدوءْ
وحِكمة الرومان
وصَحْوة الإفرنجْ
يُراهنون دائمًا
على بعيرٍ خاسر
طريقه مُـعْوَجّ
دعني أصِفْ أحوالهمْ بدقّة
يُراوغون كلّ مَن هبّ ومن دبّ بلا مشقّة
بالوهم غارقين
يحاولون كلّما هاجوا
فيخسرون
يلاعبون الخصْمَ بالنرد وبالحِيلة والحَيدةِ يُؤمِنون
ما فكّروا بقوّة الخصْم، لقد تفوّق الخصْمُ بما لديه
لإنهُ يلعبُ بالشّطْرنجْ
_ _ _
لا حلّ للمِحنةِ لا مَناصْ
بغيرِهِ لا دربَ للخلاصْ
هو الذي نُودِيَ باٌسمِهِ على السّطوحْ
دعا جميعَ مُتعَبي الأنامِ كي يُريحْ
ويرسم البسمة في العيون من جديد
تفكيرُهُ فريد
آياتُهُ أنّى رأوا آياتِهِ فإنها تزيد
والمجد للمسيح
_ _ _ _ _
1
معنى المعارضة بالشعر: المقابلة
2
بادلتُهُ التحيّة: يجب أن تكتب "التحيّة" في نهايتها بالتاء المربوطة، تمييزًا لها عن هاء الضمير وعن هاءات أخرى كقولك: (معه، سواه، تنزه، إيّاه، المياه، يدعوه...) أمّا في حال وقوعها في نهاية الجملة فتقرأ هكذا «التحيّهْ» ذلك لأنّ العرب تقف دائمًا على الحروف الساكنة. وتقرأ هكذا للضرورة الشعريّة إذا أراد الشاعر تسكين آخرها
_ _ _ _ _ _ _
كُتبت في 21.03.2010 وتمّت مراجعتها اليوم الموافق 14.11.2011

Monday, August 22, 2011

معارضة هائيّة الإفلاس

بقلم: رياض الحبيّب
16 آب-أوغسطس 2011

نحن نرحّب بالحوار المهذب ويسرّنا أن نجيب على سؤال من سأل ومن يسأل لاحقاً. ويا ليت نقد الإخوة من المسلمين يقتصر على الحوار، بدون الشروع في إصدار حكم مسبّق وافتراء وما يعقبهما من وعيد واعتداء
أمّا ابن قيّم الجوزيّة (1292-1349 م) المنسوبة إليه القصيدة التالية على أنها مدوّنة في كتاب “إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان” فإني أشكّ بوجودها في كتابه المذكور حتى يصل الكتاب إلى حوزتي، لكنّ الثابت لديّ هو أنّ مؤلّف القصيدة، بغضّ النظر عمّن يكون، لمِن الذين أساؤوا فهم العقائد الكتابية المسيحية، ربّما بسبب الوارد في القرآن عن طائفة النصارى العربية التي ظهرت قبل الإسلام فلا يجوز تعميم مذهب تلك الطائفة على جميع مذاهب الطوائف المسيحية
وقد قررت معارضة القصيدة التي نظمها صاحبها من بحر الوافر؛ لأنها منشورة في مواقع الكترونية عدّة بطريقة تعكس غياب الجواب المسيحي المعارض وفق مفهوم المعارضة الشعريّة، قرّرت معارضتها على رغم ضعف بنائها الشّعْري وافتقارها إلى اللياقة الأدبيّة- بحسب رأيي ومع احترامي لأيّ رأي مخالف- بل افتقرت إلى حجّة يتيمة تدعم أيّاً من المزاعم في بيت ما من أبياتها، بالإضافة إلى تراكم عدد من العيوب اللغوية في بعض مفرداتها والسذاجة في أسلوب الكتابة ما لم يرتقِ إلى فصاحة الشعر العربي المعروفة لدينا وبلاغته. أنقل إلى إلقارئ-ة العزيز-ة القصيدة التي عثرت عليها صدفة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى عثوري عليها ملحّنة عبر يوتيوب

أعُبّادَ المسيح لنا سؤالٌ -- نريد جوابهُ ممّن وعاهُ
إذا مات الإله بصُنع قومٍ -- أماتوه فما هذا الإلهُ؟
وهل أرضاه ما نالوه منه؟ -- فبُشراهُمْ إذا نالوا رضاه
وإن سخِط الذي فعلوهُ فيه -- فقوّتهم إذاً أوهت قواه
وهل بقِيَ الوجود بلا إلهٍ -- سميعٍ يستجيب لمن دعاه؟
وهل خلَتِ الطِّباق السبْعُ لمّا -- ثوى تحت التراب وقد علاهُ؟
وهل خلت العوالم من إله -- يدبّرها وقد سمرت يداه؟
وكيف تخلت الأملاكُ عنه -- بنصرهِمُ وقد سمِعوا بكاه؟
وكيف أطاقت الخشباتُ حمل ال-- إله الحقّ شُدَّ على قفاه؟
وكيف دنا الحديد إليه حتى -- يخالطه ويلحقهُ أذاه؟
وكيف تمكنت أيدي عِداه -- وطالت حيث قد صفعوا قفاه؟
وهل عاد المسيح إلى حياةٍ -- أم المُحيي لهُ ربُّ سواه؟
ويا عجباً لقبر ضمّ ربّا -- وأعجبُ منه بطنٌ قد حواه
أقام هناك تسعاً من شهور -- لدى الظلمات مِن حيض غِذاه
وشقّ الفرج مولودًا صغيرًا -- ضعيفًا فاتحًا للثدي فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي -- بلازمِ ذاك هل هذا إله؟
تعالى الله عن إفك النصارى -- سيُسأل كلهم عمّا افتراه
أعبّاد الصليب لأي معنى -- يُعَظَّم أو يقبَّح مَن رماه؟
وهل تقضى العقول بغير كسر -- وإحراق له ولمن بغاه؟
إذا ركب الإله عليه كُرْهاً -- وقد شدت لتسمير يداه
فذاك المركبُ الملعون حقا -- فدُسْه لا تبُسْهُ إذ تراه
يُهان عليهِ ربّ الخلق طُرّاً -- وتعبُدُه فإنك مِن عِداه
فإن عظّمته مِن أجْل أن قد -- حوى ربَّ العباد وقد علاه
وقد فُقِد الصليب فإن رأينا -- له شكلاً تذكّرْنا سَناه
فهلّا للقبور سَجَدْتَ طرّاً -- لضمِّ القبر ربَّك في حَشاه
فيا عبد المسيح أفِق فهذا -- بدايته وهذا منتهاه
* * *

المعارضة

 لنا ربٌّ تنازلَ كي نراهُ – فأثبتَ أنّهُ الربّ الإلهُ

قدِ اٌنشغلت بآلهةٍ شعوبٌ – مضت لم تُؤتَ بُرهاناً سِواهُ

يُنادي الناسَ أولاداً بلُطف – وعَطف فالأبوّة مبتغاهُ

فليسوا كالعبيد ولا إماءً – لهُ فالأرضُ جزءٌ مِن فضاهُ

تُجَمِّعهُمْ محبّتهُ بعُرس – جليليٍّ وتُختبَرُ الشّفاهُ

أتى بالنور وهّاجاً فضاءت – لنا الآفاقُ مرتفعاً سَناهُ

وأعطى للحياة كفافَ روحٍ – وجسْمٍ حيثما وسعت يداهُ

وأعطى المؤمنين به سِماتٍ – تميّز نورَهُ وتُري نـَداهُ

وأعطى المؤمناتِ وكلّ شخصٍ – يجيء إليه يسألُ عن هُداهُ

فلا زالت صنائِعُهُ عُجاباً – ولا زالت مهيمِنة قواهُ

هو الحيّ الذي ترنو إليهِ – خليقتهُ ويأسِرُها رجاهُ

هو القدّوسُ عاش كمال عيش – زماناً غيرُ محدود مَداهُ

لأنّ الجسمَ إمّا ذاق موتاً – قصيراً فالقيامة ما تلاهُ

هو الربّ الذي قهر المنايا – تذوّقها وليست مُشتهاهُ

فذاق الموت حيَّ الرّوحِ أمّا – قيامتُهُ الدليلُ فلا اٌشتباهُ

بذا كمُلت رسالة خير دِين – بحقّ ضاع حقّ ما خلاهُ

كما شهد الشهودُ فخبّرونا – بإنجيل نسِيرُ على خُطاهُ

نُجيبُ بهِ على مَن شكّ فيهِ – وظنّ السّوءَ علّ يَسُدّ فاهُ

وعلّ يعُود عن كذِب وغيٍّ – ليعْرفَ مُوقناً ماذا دهاهُ

ويَعْلمَ أيّ ربّ كان يدعو – وينظرَ في رسالةِ مَن دعاهُ

وفي التاريخ والأخلاق طرّاً – فتنقشِعَ الغشاوة عن عَماهُ

ويَحْسُبَ قيمة الإنسان صَحّاً – ولا يضعَ الأمورَ على هواهُ

لنا ربّ حقيقيّ نُباهي – به الدنيا وتشغلنا سَماهُ

ويشغلنا مصيرُ الناس إمّا – هوت مُدُنٌ أو اٌستعرت مياهُ

دعانا أن نحبّ الغير مهما – سعى كيداً وراوغ مَن نهاهُ

نحبّ إلهنا حبّاً صحيحاً – ونسعى بالسّلام إلى لِقاهُ

وننشر نورَهُ أنّى حَيينا – كمِلح الأرض ما اٌنسحقت حصاهُ

إله محبّة ومَعِين خير – وطوق نجاةِ ملتمِس رضاهُ

لنا ثقة بهِ ربّاً سخِيّاً – ولا ثقة لنا بمَنِ اٌزدراهُ

فما نُعنى بتعليم غريب – ولا في بالنا مالٌ وجاهُ

لنا فخر بربّ المجد أمّا – بربٍّ غيرِهِ تخزى الجباهُ

 * * * * * * *

 http://www.linga.org/poems-articles/MzAyMw

Sunday, April 17, 2011

معارضة المعلّقات العشر (١) معلّقة اٌمرئ القيس

بقلم: رياض الحبيّب
21.12.2010
 

أقتبس من الرابط المذكور أدنى: {تكاد كلمة العلماء بالشعر تتفق، في ما يتعلق بمنزلة المعلقة، على أن أفضل تراث أدبي ورثه العرب من شعر الجاهلية معلّقة امرئ القيس، يعدّون ابتداءها أفضل ابتداء من مطالع الشعر العربي. وقد بلغت من الشهرة في عالم الأدب والشعر منزلة ليست لغيرها، حتى جُعِلت مثلاً أعلى في الجودة وحتى ضُرب بها المثل في الحسن والشهرة، فقيل: (أشهر من قفا نبْك!) و(أحسن من قفا نبك!)... إلخ} انتهى

 
وقد اخترت منها الأبيات التالية

قِفا نبْكِ مِن ذِكرَى حَبيبٍ ومَنزِلِ -- بسِقطِ اللِّوَى بَيْن الدَّخولِ فحَوْمَلِ
تقُولُ وقد مَالَ الغَبيْطُ بنا مَعاً: -- عَقرْتَ بَعِـيرِي يا اٌمْرأ القيْسِ فاٌنزِلِ
فقلتُ لهَا: سِيْرِي وأرْخِي زِمَامَهُ -- ولا تبْعِدِيْنِي مِنْ جَناكِ المُعَلَّلِ
إذا التفتتْ نحْوي تضوّع ريحُها -- نسيمَ الصَّبا جاءتْ برَيّا القرُنفُلِ
مُهَفهَفة ٌ بَيْضَاءُ غيْرُ مُفاضَة -- ترَائِبُهَا مَصْقـولَة كالسَّجَنجَلِ
تُضِيءُ الظَّلامَ بالعِشاءِ كأنَّهَا -- مَنارَة مُمْسَى رَاهِبٍ مُتبَتِّلِ
إلى مِثلِهَا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَة -- إذا مَا اٌسْبَكرَّتْ بَيْن دِرْع ومِجْوَلِ
وليْلٍ كمَوْجِ البَحْرِ أرْخى سُدُولهُ -- عَليَّ بأنواعِ الهُمُوْمِ لِيَبتلِيْ
فقلتُ لهُ لمَّا تمَطَّى بصُلبهِ -- وأرْدَفَ أعْجَازاً وناءَ بكلكلِ
ألا أيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ ألا اٌنجَلِ -- بصُبْح ومَا الإصْبَاحُ منِكَ بأمْثلِ
مِكَرٍّ مِفرٍّ مُقبلٍ مُدْبرٍ مَعاً -- كجُلمُوْدِ صَخرٍ حَطَّهُ السَّيلُ مِن عَلِ
______________


المُعارَضة ١
----------

وقفتُ على ذِكرَى تصدّعِ منزلِ – و ذِكرَى اٌرتحالٍ من عِـراق التذلّلِ


فجُبتُ حدوداً أقتفي في نقاطها – مَمَرّاتِ إنسانٍ نجا بالتسلّلِ


يُقابلني طيفُ الحبيبة باكياً – بصمتٍ فأبكاني بصوتٍ مُزلزِلِ


أردّدُ شِعراً في صِبايَ كتبتُهُ – إليها فلمْ أسكتْ ولمْ أتمَهّـلِ


رثيتُ لحالٍ بات صعباً قبولُهُ – وقد كنتُ أقضيهِ بأحلى تغزّلِ


رقيقٍ بليغٍ مُرهَفِ الحسّ صادقٍ – رفيعٍ بديعٍ حالمٍ مُتجَمِّلِ


نذرتُ إذا ما الحظّ أسعف رحلتي – أغنّجُ عينيها بديوانِ أخطلِ


فلمّا تلاقى البَرّ والبَحرُ واٌنتهى – على زورقٍ خطْويْ بليلٍ ومِشعَـلِ


تساءَلتُ لا أدري أحانت مَنيّتي – أمِ اٌمتحَن الطُّوفانُ فرْط تأمّلي


إلى الضّفة الأخرى تسارَعَ نائياً – يقاومُ مَوجَاً شِبْه حِصْن السّمَوءَلِ


رَسا بعد أيّامٍ على طولِ غُـرْبةٍ – وعُـمْقِ معاناةٍ وعَـرْضِ ترَحّلِ


أطُوف على البلدان لا أستسيغُها – وأركضُ مِثلَ البائع المتجوِّلِ


مطاعمُها في الحَلق حَبّة حَنظلِ – مشاربُها في القلب حَبّة فُلفلِ


إلى أن دعـتني أمّة ٌ أجنبيّة ٌ – إلى وطنٍ ثانٍ جميلٍ مُعَلِّلِ ٢


سَعَيتُ لعيشٍ خير ما يطمَحُ الفتى – شريفاً فلم أكسَلْ ولمْ أتسوّلِ


وسـلّمتُ للأقدار أمري وغايتي – وجدّدتُ شِعْـري بالقريض المُؤثَّلِ


يُشاغلني شوقي إلى دار مولدي – فأعقِلُ أفكاري بحَبلِ التبدُّلِ


تعلّمتُ أنّ المرءَ يولدُ مرّة – وينضجُ مرّاتٍ كقُطنةِ مِغزلِ


هنيئاً لأهلي في العراق صمودُهُمْ – عظيمٌ بوجهِ الغادر المُتطفِّـلِ


ورَدع جبانٍ حاقـدٍ مُفلِسٍ إذا – تعرّضَ للشّرطيّ فرّ كنعْثلِ ٣


هنيئاً لأصحاب المروءة والنّهى – أصائلَ في تأمين ذودٍ ومَوئِلِ

فإنّهُمُ، مهما سرى الهَولُ، فوقهُ – وفي عُرْفهِمْ: مَهْما علا السّيلُ يَنزِلِ

 
*****

١ المعارضة معروفة بمعنى المقابلة في تراث الشعر العربي، إنها محاولة شاعر كتابة قصيدة على نسق قصيدة شاعر آخر وزناً وقافية؛ إمّا مُعجَباً بها أو مفنِّداً ما ورد فيها أو هاجياً شاعـرَها أو مُتبارياً معه
نقرأ في لسان العرب {عارَضَ الشّيءَ بالشيءِ مُعارضة: قابَلهُ، وعارَضْتُ كتابي بكتابه أَي قابلته، وفلان يُعارِضُني أَي يُبارِيني... إلخ} انتهى

٢ المُعَلِّل: مَن يُعَلِّلُ مُتَرَشِّفهُ بالرِّيق؛ قال ابن الأَعرابي: المُعَلِّل هو المُعِـين بالبِرِّ بعد البرّ - لسان العرب


٣ النَّعْثَـلُ: الذّكَرُ مِن الضِّباع – لسان العرب والقاموس المحيط- عِلماً أنّ الضّبع مؤنثة



www.linga.org/one-article/cid8/aid541.html
 

معارضة المعلّقات العشر (٢) معلّقة طرفة بن العبد

بقلم: رياض الحبيّب
24.12.2010

أقتبس من الرابط المذكور أدنى: {على الرغم من حشد الأوصاف والتشبيهات الكبيرة، التي تفنَّن بها طرفة في مقطع طويل تجاوز الأربعين بيتاً، لكي يكشف لنا عن أصالة ناقته وخصائصها الجسدية الكثيرة، إلّا أن هذه الملحمة تكاد تستقطب كل قيمتها في مجموعة الأبيات التي توصف عادة بالحكمة وهي أعمق ما قال شاعر جاهلي وكشف فيها عن موقف ميتافيزيقي إطلاقي. وهي الأبيات التي يخاطب فيها الشاعر زاجره عن التمتع بملذات الحياة فلا يجد ثمّة معنى للعيش إلا بثلاث وسائل هي الفروسية والخمرة والمرأة. ومن هنا يبرز الموقف الوجودي للشاعر مليئاً، عنيفاً بالتحدي للموت والزوال، مسرفاً في ذلك التيار الحيوي الشاب المرح واليائس معاً، الذي ميَّز جيل الشعراء الشباب في العصر الجاهلي، كاٌمرئ القيس وتأبّط شراً والشَّنْفري والأعشى في بعض مذاهبه والنابغة في جانبه الحيّ التلقائي. ومن الغريب أن تنبض تلك الأفكار وتشعّ من جوهر هذا الفتى وهو ما عاش إلا القليل، لكنه عاش العريض المليء من التمتع والمعاناة... إلخ} انتهى
 www.almoallaqat.com

 
وقد اخترت منها الأبيات التالية

لِخوْلة أطلالٌ ببُرْقةِ ثهْمَدِ -- تلُوحُ كبَاقِي الوَشْمِ فِي ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بهَا صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ -- يقوْلون لا تهلكْ أسَىً وَتجَلَّدِ
وَوَجْهٍ كأَنَّ الشَّمْسَ ألْقتْ رِدَاءَها -- عَليْهِ، نقِيِّ اللَّوْنِ، لمْ يَتخدَّدِ
عَلى مِثلِهَا أمْضِي إذا قالَ صَاحِبي -- ألا ليْتنِي أفدِيكَ مِنهَا وأفتدِي
وجَاشتْ إليْهِ النَّفْسُ خوْفاً وخالَهُ -- مُصَابَاً وَلوْ أمْسَى عَلى غيْرِ مَرْصَدِ
إذا القوْمُ قالوا مَن فتىً خِلتُ أنَّنِي -- عُنِيْتُ فلمْ أكْسَلْ وَلمْ أتبَلَّدِ
وَلسْتُ بحَلاَّلِ التِّلاعِ مَخافة -- ولكِنْ مَتى يَسترفِدِ القوْمُ أرفِدِ
فإنْ تَبْغِنِي فِي حَلْقةِ القوْمِ تلْقنِي -- وإنْ تقتنِصْنِي فِي الحَوَانِيتِ تصْطَدِ
ندَامَايَ بـِيضٌ كالنُّجُومِ وَقيْنةٌ -- ترُوحُ عَلينا بَيْن بُرْدٍ ومَجْسَدِ
ومَازالَ تشرابي الخُمُورَ ولذَّتِي -- وبَيْعِي وإنفاقِي طَرِيفِي ومُتلدِي
إلى أنْ تحَامَتنِي العَشِيْرَةُ كُلُّها -- وأُفرِدْتُ إفرادَ البَعِيرِ المُعَبَّدِ
فإنْ كُنْتَ لا تسْطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتي -- فدَعْـنِي أبادِرْهَا بمَا مَلكَتْ يَدِي
أرَى قبْرَ نـَحَّامِ بَخِيْلٍ بمَالِهِ -- كقبْرِ غوِيٍّ فِي البَطَالةِ مُفسِدِ
أرَى المَوْت يَعْتامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي -- عَقِيلةَ مَالِ الفاحِشِ المُتشدِّدِ
وظُلْم ذوِي القرْبَى أشدُّ مَضَاضَةً -- عَلى المَرْءِ مِن وَقعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ
سَتُبدِي لكَ الأيَّامُ مَا كُنْت جَاهِلاً -- ويَأْتِيْكَ بالأخْبَارِ مَن لمْ تزَوّدِ
ويَأتِيْكَ بالأخْبَارِ مَن لمْ تـَبِعْ لهُ -- بَتاتاً ولمْ تضْرِبْ لهُ وقتَ مَوْعِـدِ

_______

المعارضة
----------

لِسَـارة َ أقوالٌ بها الحُبّ يَبتـدي – أُحِبّكَ يا هذا بقـرْبكَ مَعْـبَدي

فبُعْـدُكَ أضناني وشلّ عزيمتي – عن الشّغل ما أهملتُهُ يتبدّدِ ١

إذا غِبتَ عنّي فترة ً خِلتُ أنني – عَمِيتُ فلا ميّـزتُ أمسِيَ عَـن غـدي

أرانِيَ أسدلتُ السِّتارَ على الهـوى – بلا رجعةٍ تُرجى فإنْ شِئتَ أزهَدِ

أتذكُرُ لمّا حِرتَ في أمرِ خِطبتي – وسَعْيك في إرضاء قلبي المُجَمّدِ

لقد هامَ بيْ في الحَيّ تِسعُون عاشِقاً – وتِسعَة ُ كُتّابٍ وقـَيِّمُ مَسْجدِ

تجنّبْتُهُمْ طُرّاً وآثرتُ عُـزلة – لعلّ تؤاسيني وللصَّحِّ أهتدي

خلعْتُ حِجَابَ العقل لمْ ألتزمْ بهِ – وراجَعْتُ نفسيْ بَعْدَ طُول تردّدِ

أللدِّين دخلٌ في شؤون تمدُّني – ورَبْط مَصِيري بالغموض المُخلَّدِ

تصفّحْتُ أوراق التراثِ بتؤدَةٍ – فلمْ ألقَ عاراً مِثلهُ في مُجَلَّدِ

تبرّأ منّي أقربُ الناس للحَشا – وأمْطرَني وَهْمَاً وسَيلَ توعّـدِ

فأيقنتُ أني لمْ أرَ النورَ حُرّة ً – وأدركتُ أنّ الدِّين أبغضُ مُفسِدِ

تخلّيتُ عن داري ومالي ومهنتي – وأسرعتُ صَوبَ النُّورِ والحقُّ في يَدِي

وسافرتُ في الآفاق أرْثيْ لصَفحةٍ – ظلاميّةٍ قاسَيتُها بتـنهّدِ

إلى أنْ تلاقينا على القطر والنّدى – وكأسٍ رشفناها ثُناءً كمَوحَدِ

فأصْغِ إلى نبضِيْ ودَارِ سَجيّتي – تجدْ لكَ ظِلّاً في براءةِ مَقصَدِي ٢

تفيّأْ بهِ ما دُمتَ كالدُّرِّ خالِصَاً – وهيِّئْ لهُ أعـشاشَ طيرٍ مُغرِّدِ

زرَعْـنا بذور الحبّ قمْحاً مُبَارَكاً – ونخلاً وكَرْماً بالأحِبّةِ نقتدي

فمَا لزُؤانٍ سَلّة ٌ مِن سِلالهِ – ولا حِصّة ٌ للزارعِ المُتفرّدِ

على الحُلْو والمُرّ اٌتخذنا قرارَنا – مَعَاً مُذ كتبْنا سِفرَ آخِر مَوعِـدِ

فمَن يَبْنِ بيتاً فوق صَخرٍ يُعَلِّهِ – ومَن يَزرعِ المعروفَ إيّاهُ يحصُدِ

***

أيَا سَارَتا عَهْداً عليّ أصُونهُ – ووَعْـداً إذا أخّـرتُ لا تتشدّدي

فإنْ عاقـني وقـتي اٌتّصَلتُ مُخـبِّرًا – وإنْ غِـبتُ عـن عـينيكِ لا تترصّدي

فما فرّق البُعدُ المُؤقَّتُ بيننا – وفي الرّوح ترنيمُ الوصالِ المُؤكّدِ

لقد حاصَرَتني في الزمان نوائِبٌ – وضايقني أنّي قليلُ التّجلّدِ

رواسِـبُ منها يوجعُ الصّدرَ ذِكرُها – ترفّعْتُ عَمّا فاتَ لمْ أتقـيّدِ

فصَبْراً جميلاً يا فنارَ مرافِئِي – وبوصلة المُشتاقِ والمُتشرِّدِ

مَطافُ حَريقِ الشَّوق خمْرٌ جديدة – إذا عُتِّـقتْ ساغتْ لجَـفنٍ مُسّهَّدِ

ونالَتْ رِضى عينيكِ منها ثمالتي – وصَحْوي على اٌستفقادها وتجدُّدي

فليس التلاقي مِن جديدٍ يشدّنا – إلى عُـشِّـنا لكنْ جديدُ التَّودّدِ

*****

١ ما أهملتُهُ يتبدّدِ؛ ما: شَرطيّة تجزم فِعلين
٢ دارِ: فعل الأمر مِن دارى
 

معارضة المعلّقات العشر (٣) مُعلّقة زهير بن أبي سُلمى

بقلم: رياض الحبيّب
28.12.2010

أقتبس من الرابط المذكور أدنى بتصرّف: {كتب زهـير بن أبي سُلمى معلّقته في ظروف حرب داحس والغبراء التي احتدم أوارُها بين عبس وذبيان، استهلّها زهـير بالغزل ووصف الديار والأطلال الدارسة، ثم تحوّل إلى مدح هرم بن سنان وابن عمّه الحارث بن عوف صانِعَي السلام، وحَمَدهما على فضلهما في حقن الدماء وتحمّل تبعات الصلح بين الفريقين المتنازعين. وأردف زهير هذا المديح بحِكَمِهِ التي محض بها المتحاربين النصح ودعاهم إلى السّلم وحملهم على أن يرهبوا عواقب الحرب ممثلاً لهم أهوالها التي عاشوا في أتونها... إلخ} انتهى
www.almoallaqat.com


والجدير ذكره في هذا المبحث- نقلاً عن ويكيـپـيديا:
{١ قيل أنّ زهـير بن أبي سُلمى كان ينظم القصيدة في شهر ويُهذِّبها في سنة، فكانت قصائده تسمى الحَوليّات
٢ قال التبريزي: إنهُ أحَدُ الثلاثة المُقدَّمِين على سائر الشعراء، إنما اختُلِفَ في تقديم أحد الثلاثة على صاحبَيْه، والآخـَران هما اٌمرؤ القيس والنابغة الذبياني} انتهى


وقد اٌخترت من معلّقة الشاعر الأبيات التالية


أمِنْ أُمِّ أوْفى دِمْنة ٌ لمْ تـَكَلَّمِ -- فحَوْمانة الدُّرَّاجِ فالمُتثلَّمِ
ودارٍ لهَا بالرَّقمَتينِ كأنَّهَا -- مَراجعُ وَشْمٍ في نواشِرِ مِعْصَمِ
وقفْتُ بهَا مِن بَعْدِ عِشرِين حِجَّة ً -- فلأيَاً عَرَفتُ الدَّارَ بَعْدَ توَهُّمِ
فلمَّا عَرَفتُ الدَّارَ قلتُ لِرَبْعِهَا -- ألا عِمْ صَبَاحَاً أيُّهَا الرَّبْعُ واٌسْلَمِ
تبَصَّرْ خليلِي هَلْ ترَى مِن ظعائِنٍ -- تحَمَّلن بالعَلياءِ مِن فوْقِ جُرثمِ
جَعَلن القـَنان عَن يَمِينٍ وحَزْنهُ -- ومَن بالقنانِ مِن مُحِلٍّ ومُحْرِمِ
بَكَرْن بُكُورًا واٌسْتحَرْن بسُحْرَةٍ -- فهُنَّ ووَادِي الرَّسِّ كاليَدِ لِلفمِ
وفِيهِنَّ مَلهَىً لِلَّطِيفِ ومَنظرٌ -- أنِيقٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ المُتوَسِّمِ
كأنَّ فُتات العِهْنِ في كُلِّ مَنزِل -- نزلن بهِ حَبُّ الفـَنا لمْ يُحَطَّمِ
فأقسَمْتُ بالبَيْتِ الذي طافَ حَوْلهُ -- رِجَالٌ بَنـَوهُ مِن قُرَيشٍ وجُرْهُمِ
يَمِينًا لـَنِعْمَ السَّيدانِ وُجـِدتُمَا -- عَلى كُلّ حَالٍ مِن سَحِيلٍ ومُبْرَمِ
تدارَكتُما عَبْسَاً وذُبْيَانَ بَعْدَمَا -- تفانـَوا ودَقُّـوا بَيْنهُمْ عِطرَ مَنشمِ
فأصْبَحْتمَا مِنهَا عَلى خيْرِ مَوْطِن -- بَعِيدَيْن فِيهَا مِن عُقوقٍ ومَأْثَمِ
وقد قلتُمَا إنْ نُدرِكِ السِّلمَ وَاسِعاً -- بمَالٍ ومعرُوفٍ مِن القوْلِ نـَسْلَمِ
فمَن مُبْلِغ الأحلاف عَنِّي رِسَالة -- وذبيان هَلْ أقسَمْتمُ كُلَّ مُقـْسَمِ
فلا تكْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفوسِكُم -- لِيَخفى وَمَهْمَا يُكتـَمِ اللهُ يَعْلمِ
ومَا الحَرْبُ إلاَّ مَا عَلِمْتمْ وذقتُمُ -- ومَا هُوَ عنها بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
سَئِمْتُ تكالِيفَ الحَياةِ ومن يَعِشْ -- ثمَانِين حَوْلاً، لا أبَا لَكَ، يَسْأمِ
رأيْتُ المَنايَا خبْطَ عَشوَاءَ مَن تُصِبْ -- تُمِتهُ ومَنْ تُخْطِئِ يُعَمَّرْ فيَهْرَمِ
وأعْلمُ عِلم اليَوْمِ والأمْس قبْلهُ -- ولكِنّني عَنْ عِلمِ مَا فِي غدٍ عَمِ
ومَنْ يَكُ ذا فضْلٍ فيَبْخلْ بفضْلِهِ -- عَلى قوْمِهِ يُسْتغْـن عَنهُ ويُذمَمِ
ومَن هابَ أسْبَابَ المَنايَا يَنـَلنهُ -- وإن يَرْقَ أسْبَابَ السَّمَاءِ بسُلَّمِ
ومَهْمَا تكُنْ عِندَ اٌمرِئٍ مِن خلِيقةٍ -- وإن خالهَا تـَخفى على النَّاسِ تُعْلَمِ
لِسَانُ الفتى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فؤادُهُ -- فلمْ يَبْقَ إلا صُورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ
______________


المعارضة
----------

رَحِيقُكِ أذكى ما تضَوّعَ في فمي – ورِيْقكِ أصْفى ما تسَرّبَ في دمي

وهَـمْسُـكِ يَسْـري نغمة ً ذاتَ نبرةٍ – تليقُ بمَغـزى صَمْتِكِ المتكلِّمِ

بَيَانٌ وتبيينٌ يَحُوْطان مُقـلة ً – إذا أدمَعَتْ زِيْنتْ بأحلى تبسُّمِ ١

ترَقـرَقَ فيها الدّمْعُ ما لِنقائِهِ – مَثيلٌ على خدِّ الحَرير المُنعَّمِ

وقد ضاءَ فيها خيرُ بيتٍ لشاعرٍ – تميّز في تصوير قلبٍ مُتيَّمِ

وفي وَصْف طيفٍ فائِقِ الحُسْن بَعْدَما – تدرّجَتِ الألوانُ فيهِ بسُلَّمِ

مُعلّقة ً ضَاهتْ جَنائن بابلٍ – بمَنظرهَا مَا لمْ يَسَعْ لوحُ مَرسَمِ

فصُوْرَتُكِ العَصْمَاءُ حُلْمي ويقظتي – وسِيْرَتُك السّمْحَاءُ حَرفُ ترنّمي

***

تعالـَيْ نـَسِحْ فوق الطّبيعة والمَدى – لننشُرَ هذا الحبّ في عالَمٍ ظَمِي

وننسى جبالاً مِّن هُمومٍ كثيرةٍ – ألا ليتها تنزاحُ مِثلَ المُقطَّمِ

يقولون أنّ الأرض للهِ وَحْدِهِ – فأنّى نطأْ فوق البَسيطةِ نـَسْلـَمِ

هنالِكَ في روما جَمَالٌ ورَوعَة ٌ – وتاريخُ شَعْبٍ ناهِضٍ متقدّمِ

كمَا في أثِينا والشّواهدُ لمْ تزلْ – مَعَالمُها الغرّاءُ لمْ تتهدّمِ ٢

هنالِكَ سَاحَ الناسُ مِن كلّ أمّةٍ – ومِنهمْ مُقِيمٌ في عُقـوقٍ ومَأثـَمِ

ومِنهمْ كريمُ النّفْس يَشهدُ للنَّدى – وللغـَيْرِ مأسُوراً بفضْلٍ ومَكْرُمِ ٣

ذهَبْتُ إلى هذي وتلكَ ومُنيَـتي – زيارةُ أقداسٍ لهَا الرُّوحُ ينتمي ٤

هَلُمَّ إلى قانا الجليل وكأسِها – هَلُمَّ إلى مَهْدِ المَسِيحِ المُعَلِّمِ ٥

هَلُمَّ إلى قُدْسِ البشارةِ عَلّهُ – يُبشّرنا بُشرى المَلاكِ لمَرْيَمِ

بمِيلادِ صُلحٍ مُستقيمٍ وشاملٍ – يَعُمّ جَمِيعَ الناس دُون تظلّمِ

كذا تحضُنُ الأرضُ الجَمِيعَ بخيرِها – إذا مَا اٌتّقى ناراً كنارِ جَهَنّمِ

عَجبْتُ لأمْرِ الناسِ إنّ اٌختلافهُمْ – مفيدٌ ولكنْ بَعضهُمْ جاهِلٌ عَمِ

أحَلّ لهُ ما لمْ يُحِلّ لغيرِهِ – وحَرّمَ ما للذاتِ غيرَ مُحَرَّمِ

هَلُمَّ إلى شِبْهِ الجَزيرةِ كي نرَى – لقومٍ ظِلالاً أو بقيّة مَعلَمِ

كظِلِّ يَهُودِيٍّ على باب خيبرٍ – وظِلِّ مَسِيحِيٍّ على بئر زَمْزَمِ

يُقالُ: فتىً مَّا جَادَ فيها برَحْمَةٍ – لنبحَثْ إذاً في صِدْقِ قولٍ ومَزعَمِ

كفى صَاحِبيْ إفكاً فقد سَخِرَ الورى – من الإفكِ أمَّا العُذرُ للمُتوَهِّمِ

لِنفتحْ طريقاً للتآخي بنـَخْوَةٍ – تُناطُ بإنسانٍ شقيقٍ وتوأمِ

وإلّا فمَا جَدْوَى الرِّياءِ وصِنْوِهِ؟ – وإنفاقِ دِينارٍ لإصلاحِ دِرهَمِ ٦

*******


١ اقتباساً من عنوان كتاب للجاحظ؛ حيث البيان: الدلالة على المعنى. والتبيين: الإيضاح


٢ حَظيَ الشاعر بزيارة أثينا صيف العام 1996 وبزيارة روما في مطلع العام 2001


٣ المَكْرُمُ والمَكْرُمة، بضم رائِهِما، والأكْرومَة، بالضم: فِعْلُ الكَرَمِ- القاموس المحيط


٤ الرُّوحُ، بالضم: ما به حَياةُ الأنْفُسِ، ويُؤنَّث- القاموس المحيط


٥ قال سِيْبَوَيْه، نقلاً عن لسان العرب بتصرّف، أنّ هَلُمّ هي “ها” ضُمّت إِليها “لُمّ” وجُعِلتا كالكلمة الواحدة؛ هَلمَّ في لغة أهل الحجاز يكون للواحد والإثنين والجمع والذكر والأنثى بلفظٍ واحد، وأهلُ نَجْدٍ يُصَرِّفونها، وأمّا في لغة بني تمِيم وأهل نجْد فإنهم يُجْرُونهُ مُجْرَى قولك رُدَّ، يقولون للواحد هَلُمَّ كقولك رُدَّ وللأُنثى هَلُمِّي كقولك رُدِّي... إلخ


٦ وإنفاقِ دينارٍ لإصلاحِ دِرهَمِ: اقتباساً من مثل شعبي في العراق
________________
 
www.linga.org/one-article/cid8/aid544.html


www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=239922

معارضة المعلّقات العشر (٤) مُعَلّقة عنترة بن شدّاد

بقلم: رياض الحبيّب
في 03 يناير 2011

أقتبس من الرابط المذكور أدنى بتصرّف: {أرجَعَ التبريزي سبب نظم المعلّقة إلى الظروف التي أعقبت حرية عنترة واعتراف أبيه به؛ قيل أنّ واحداً من بني عبس شتمَهُ وعَيّرَهُ بأمّهِ وسَخِر منه لسواد لونه، فاٌنبرى عنترة إلى الإفتخار ببسالته ووصف فروسيته، متحدّياً خصماً قال له (أنا أعظم شاعرية منك) فإذا صحّت هذه الرواية تكون معلقة عنترة أولى قصائده الطوال وأجودها، إذ لم يُذكَر له قبلها سوى أبيات متفرّقة ومقاطع قصيرة

تكاد معلقة عنترة تكون محدّدة الأغراض، فهو يستهلّها كسائر الجاهليّين؛ بذكر الأطلال ووصف الفراق، ثم ينتقل إلى ذكر عبلة حبيبته ووصفها، مفتخراً بمناقبه الأخلاقية وفروسيته، ثمّ وصف الخمرة والإعتداد بكرمه، حتى ينتهي إلى وصف قوّته ونيله من أعدائه وتفوّقه في الحرب والقتال... إلخ} انتهى
 
وقد اخترت منها الأبيات التالية

هَلْ غادَرَ الشُّعَرَاءُ مِن مُترَدَّمِ -- أمْ هَلْ عَرَفتَ الدَّارَ بعدَ توَهُّمِ
يا دارَ عبلة بالجواءِ تكَلَّمي -- وعِمِيْ صباحاً دارَ عَبلة واٌسلَمي
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تقادَمَ عَهْدُهُ -- أقوى وأقفرَ بَعدَ أمِّ الهَيثمِ
حَلَّتْ بأرضِ الزَّائِرين فأصْبَحَتْ -- عسراً عَلَيَّ طِلابُكِ اٌبنة مَخْرَمِ
ولقد نزلتِ فلا تظُنِّي غَيرَهُ -- مِنّي بمَنزِلةِ المُحِبِّ المُكْرَمِ
إن كنتِ أزمَعتِ الفِراقَ فإنَّمَا -- زَمَّتْ رِكابُكُمُ بليلٍ مُظْلِمِ
ما رَاعَني إلاَّ حَمولَةُ أهلِهَا-- وَسْطَ الدِّيَارِ تـَسفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
إذ تستبيكَ بذِي غُروبٍ واضِحٍ -- عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لذيذِ المَطعَمِ
وكأنَّ فارَة تاجرٍ بقسِيمَةٍ -- سَبَقتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفمِ
أوْ رَوْضَةً أُنُفاً تضَمَّن نبْتَهَا -- غيْثٌ قليلُ الدَّمْنِ ليسَ بمَعْلَمِ
جَادَتْ عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ -- فترَكن كُلَّ قرَارَةٍ كالدِّرْهَمِ
أثْنِي عَليَّ بمَا عَلِمْتِ فإنَّني -- سَهْلٌ مُخالقتي إذا لمْ أُظْلَمِ
وإذا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلمِيَ بَاسِلٌ -- مُرٌّ مَذاقتُهُ كطَعمِ العَلقمِ
ولقد شرِبْتُ مِن المُدَامَةِ بَعْدَما -- رَكَدَ الهَواجرُ بالمَشوفِ المُعْلَمِ
فإذا شَرَبْتُ فإنَّنِي مُسْتهْلِكٌ -- مَالي، وَعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ
وإذا صَحَوتُ فما أقصِّرُ عن نَدَىً -- وكما عَلِمتِ شمائِلي وتكرُّمي
هَلاَّ سألتِ الخيلَ يا اٌبنةَ مالِكٍ -- إن كُنْتِ جاهِلةً بمَا لم تَعْلمِي
يُخْبرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقيعَةَ أنَّنِي -- أَغْـشى الوَغى وأَعِفُّ عِنْدَ المَغنمِ
**
يا شَاةَ ما قنـَصٍ لِمَن حَلَّتْ لهُ -- حَرُمَتْ عَلَيّ وليْتها لم تـَحْرُمِ
فبَعَثْتُ جَارِيَتي فقلتُ لهَا اٌذهَبي-- فتجَسَّسِي أخبارَها لِيَ واٌعْلَمِي
قالتْ رَأيتُ مِن الأعادِي غِرَّةً -- والشَّاةُ مُمْكِنةٌ لِمَن هُوَ مُرتمِي
يَدْعُون عَنترَ وَالرِّماحُ كَأَنَّها -- أشْطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدْهَمِ
مازِلْتُ أرْمِيهِمْ بثُغْرَةِ نحْرِهِ -- ولبانِهِ حَتَّى تسَرْبَلَ بالدَّمِ
فاٌزوَرَّ مِنْ وَقعِ القنا بلِبانِهِ -- وشكَا إليّ بعَبْرَةٍ وتحَمْحُمِ
لو كان يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اٌشتكى -- ولكان لو عَلِمَ الكلامَ مُكَلِّمِي
ولقد شَفى نفسي وأبرَأ سُقمَهَا -- قِيْلُ الفوارِسِ وَيْكَ عَنترَ أقْدِمِ
_______


المعارضة
----------



غادرتُ أرضاً بين فكَّي ضَيْغمِ -- وعَبَرْتُ بَحْراً لمْ يَجفّ مِن الدّمِ


وتركتُ بيئة نشأتي مُتعَثِّراً -- بفِخاخِها وقضَائِها المُتأزِّمِ


مُتشبِّـثاً بعقيدتي وقصيدتي -- لمْ أسْهُ عَن حَقّيْ ولمْ أستسلِمِ


مُسْتوحِياً أدباً يَهُمّ قضيّتي -- مِن نبعِهِ في نقدِ فِكْرٍ مُظلِمِ


فكرٍ يُحاربُ خِصْبَ كَرْمٍ كأسُهُ -- ساغتْ لقلبيَ بَلسَمَاً قبل الفمِ


حتى اٌفتقدتُ دَبيبَها ولهيبَها -- واٌنسابَ حُلْوُ مَذاقِها كالعَلقمِ


ضحّيتُ بالكأس الرّويّةِ حامِياً -- داراً وُلِدتُ وَوَشْمُها في المِعْصَم


داراً أباحَ المُستفِزّ مَتاعَها -- لأبيتَ في دارٍ كدارِ الأرقمِ


فقطعتُ شوط صِبايَ بين خنادقٍ -- وندَبْتُ حَظّاً نامِياً كالبُرعُمِ


وكتبتُ للأصحاب أنّي راحِلٌ -- لا أشتري كنز الخضوع بدِرهَمِ


فثقافة الصحراء مَصْدَرُ بدعةٍ -- بدويّةِ التصنيف لم تتقدّمِ


نزلتْ على قومٍ بَليدٍ ساذجٍ -- بنِقابها وبوجهِها المُتجهِّمِ


غاروا علينا في الظلام بغزوةٍ -- مُستذئِبين على خِرافٍ نُوَّمِ


سَلبُوا حضارتنا وخيرَ سُهولِنا -- وحُقولِنا باٌسْم الإلهِ المُسْلِمِ


عارضتُ غزوتهُمْ برُوحِ مَحَبّةٍ -- وتواضُعٍ وترفّعٍ وترنّمِ


بالمنطق المَدْرُوس صُغتُ مَقولتي -- بكرامةٍ آثرتُ صَدّ المُجرمِ


سنردّهُمْ مُستأسِدين بصَبْرنا -- وطلولِنا وزجاجها المُتهشِّمِ


حتى إذا العقلاءُ منهمْ أدركوا -- هَولَ المُصاب وسِرّ ظِلٍّ مُعْتِمِ


فتنبّهوا للضّيمِ بَعْدَ تأمّلٍ -- وتبيّنوا زيفَ المُضِلِّ الأعظمِ


شرَعُوا بتحرير العقول وقاوموا -- تكفيرَ شيخٍ حاسِرٍ ومُعَمّمِ


نفرٌ إذا اٌحتكمَ القضاءُ لرأيِهِمْ -- قالوا الصّحيحَ وسَلّموا بالمَعْلَمِ


عَرَفوا الشَّريفَ مِن اللسانِ ومِن ندى -- كفٍّ سَختْ وترفّعَتْ عن مَغنمِ


ذاك الذي وخز السّؤالُ ضَمِيرَهُ -- مُستغرِباً مِن حُكْم شرعٍ مُبْهَمِ


فاٌرتدّ ينفرُ ناقِداً أو ساخِراً -- أو صابراً بفؤادِهِ المُتألّمِ


***


وكتبتُ للشُّعراء يومَ تبرّأوا -- مِنّي بحُجّةِ جَنّةٍ وجَهَنّمِ


فتجاهلوا طُرّاً مَقامِيَ بينهمْ -- واٌستنكرَ النُّقَّادُ وَسْمَ المِيسمِ


قالوا قريضُكَ لا يُناسِبُ دِيننا -- وتراثنا في مَحْفِلٍ مُتمَسْلِمِ


ما زلتَ تُحْرجُنا أمامَ نِسائِنا -- بمَدِيح زوجكَ والغرامِ الأعجمي


مجنون إلزا ليس في أعرافنا -- لا تـَهْرِفنّ إذاً بمَا لمْ تعْلمِ *


إنّ المجانين الذين نُجلّهُمْ -- مِن غير ذاك الصِّنف لا تتوهّمِ


فأجبتُ أنّ شريكتي وحبيبتي -- مِن عِرْق نبْتٍ ناضجٍ ومُقلَّمِ


موهوبة ٌ بثِمار فِكْرٍ نيِّرٍ -- مسرورة ٌ بخلاصِها مِن طلسَمِ


عبَرَتْ إلى بَرّ الأمانِ بوَعْـيها -- صَوبي فأهْدتني قرِيْحَة مُلهَمِ


هلّا نسَبْتُ الفضلَ لاٌبنةِ سَيّدٍ -- مَلِكِ المُلوكِ وبنتِ خير مُعَلِّمِ


لو صِرتُ عنترة ً فنِصْفِيَ عَبْلة ٌ -- أو صِرْتُ يُوسُفَ فالولاءُ لمَرْيَمِ


*******


* إشارة إلى الشاعر الفرنسي والروائي لويس أراغون (1897-1982) وقد عنون باٌسم حبيبته إلزا أربع مجموعات شعرية منها «مجنون إلزا» وأشار مصدر مطّلع إلى أنّها كاتبة من أصل روسي، مُلهِمَة الشاعر وزوجته ورفيقة دربه


www.linga.org/one-article/cid8/aid547.html