Monday, August 22, 2011

معارضة هائيّة الإفلاس

بقلم: رياض الحبيّب
16 آب-أوغسطس 2011

نحن نرحّب بالحوار المهذب ويسرّنا أن نجيب على سؤال من سأل ومن يسأل لاحقاً. ويا ليت نقد الإخوة من المسلمين يقتصر على الحوار، بدون الشروع في إصدار حكم مسبّق وافتراء وما يعقبهما من وعيد واعتداء
أمّا ابن قيّم الجوزيّة (1292-1349 م) المنسوبة إليه القصيدة التالية على أنها مدوّنة في كتاب “إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان” فإني أشكّ بوجودها في كتابه المذكور حتى يصل الكتاب إلى حوزتي، لكنّ الثابت لديّ هو أنّ مؤلّف القصيدة، بغضّ النظر عمّن يكون، لمِن الذين أساؤوا فهم العقائد الكتابية المسيحية، ربّما بسبب الوارد في القرآن عن طائفة النصارى العربية التي ظهرت قبل الإسلام فلا يجوز تعميم مذهب تلك الطائفة على جميع مذاهب الطوائف المسيحية
وقد قررت معارضة القصيدة التي نظمها صاحبها من بحر الوافر؛ لأنها منشورة في مواقع الكترونية عدّة بطريقة تعكس غياب الجواب المسيحي المعارض وفق مفهوم المعارضة الشعريّة، قرّرت معارضتها على رغم ضعف بنائها الشّعْري وافتقارها إلى اللياقة الأدبيّة- بحسب رأيي ومع احترامي لأيّ رأي مخالف- بل افتقرت إلى حجّة يتيمة تدعم أيّاً من المزاعم في بيت ما من أبياتها، بالإضافة إلى تراكم عدد من العيوب اللغوية في بعض مفرداتها والسذاجة في أسلوب الكتابة ما لم يرتقِ إلى فصاحة الشعر العربي المعروفة لدينا وبلاغته. أنقل إلى إلقارئ-ة العزيز-ة القصيدة التي عثرت عليها صدفة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى عثوري عليها ملحّنة عبر يوتيوب

أعُبّادَ المسيح لنا سؤالٌ -- نريد جوابهُ ممّن وعاهُ
إذا مات الإله بصُنع قومٍ -- أماتوه فما هذا الإلهُ؟
وهل أرضاه ما نالوه منه؟ -- فبُشراهُمْ إذا نالوا رضاه
وإن سخِط الذي فعلوهُ فيه -- فقوّتهم إذاً أوهت قواه
وهل بقِيَ الوجود بلا إلهٍ -- سميعٍ يستجيب لمن دعاه؟
وهل خلَتِ الطِّباق السبْعُ لمّا -- ثوى تحت التراب وقد علاهُ؟
وهل خلت العوالم من إله -- يدبّرها وقد سمرت يداه؟
وكيف تخلت الأملاكُ عنه -- بنصرهِمُ وقد سمِعوا بكاه؟
وكيف أطاقت الخشباتُ حمل ال-- إله الحقّ شُدَّ على قفاه؟
وكيف دنا الحديد إليه حتى -- يخالطه ويلحقهُ أذاه؟
وكيف تمكنت أيدي عِداه -- وطالت حيث قد صفعوا قفاه؟
وهل عاد المسيح إلى حياةٍ -- أم المُحيي لهُ ربُّ سواه؟
ويا عجباً لقبر ضمّ ربّا -- وأعجبُ منه بطنٌ قد حواه
أقام هناك تسعاً من شهور -- لدى الظلمات مِن حيض غِذاه
وشقّ الفرج مولودًا صغيرًا -- ضعيفًا فاتحًا للثدي فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي -- بلازمِ ذاك هل هذا إله؟
تعالى الله عن إفك النصارى -- سيُسأل كلهم عمّا افتراه
أعبّاد الصليب لأي معنى -- يُعَظَّم أو يقبَّح مَن رماه؟
وهل تقضى العقول بغير كسر -- وإحراق له ولمن بغاه؟
إذا ركب الإله عليه كُرْهاً -- وقد شدت لتسمير يداه
فذاك المركبُ الملعون حقا -- فدُسْه لا تبُسْهُ إذ تراه
يُهان عليهِ ربّ الخلق طُرّاً -- وتعبُدُه فإنك مِن عِداه
فإن عظّمته مِن أجْل أن قد -- حوى ربَّ العباد وقد علاه
وقد فُقِد الصليب فإن رأينا -- له شكلاً تذكّرْنا سَناه
فهلّا للقبور سَجَدْتَ طرّاً -- لضمِّ القبر ربَّك في حَشاه
فيا عبد المسيح أفِق فهذا -- بدايته وهذا منتهاه
* * *

المعارضة

 لنا ربٌّ تنازلَ كي نراهُ – فأثبتَ أنّهُ الربّ الإلهُ

قدِ اٌنشغلت بآلهةٍ شعوبٌ – مضت لم تُؤتَ بُرهاناً سِواهُ

يُنادي الناسَ أولاداً بلُطف – وعَطف فالأبوّة مبتغاهُ

فليسوا كالعبيد ولا إماءً – لهُ فالأرضُ جزءٌ مِن فضاهُ

تُجَمِّعهُمْ محبّتهُ بعُرس – جليليٍّ وتُختبَرُ الشّفاهُ

أتى بالنور وهّاجاً فضاءت – لنا الآفاقُ مرتفعاً سَناهُ

وأعطى للحياة كفافَ روحٍ – وجسْمٍ حيثما وسعت يداهُ

وأعطى المؤمنين به سِماتٍ – تميّز نورَهُ وتُري نـَداهُ

وأعطى المؤمناتِ وكلّ شخصٍ – يجيء إليه يسألُ عن هُداهُ

فلا زالت صنائِعُهُ عُجاباً – ولا زالت مهيمِنة قواهُ

هو الحيّ الذي ترنو إليهِ – خليقتهُ ويأسِرُها رجاهُ

هو القدّوسُ عاش كمال عيش – زماناً غيرُ محدود مَداهُ

لأنّ الجسمَ إمّا ذاق موتاً – قصيراً فالقيامة ما تلاهُ

هو الربّ الذي قهر المنايا – تذوّقها وليست مُشتهاهُ

فذاق الموت حيَّ الرّوحِ أمّا – قيامتُهُ الدليلُ فلا اٌشتباهُ

بذا كمُلت رسالة خير دِين – بحقّ ضاع حقّ ما خلاهُ

كما شهد الشهودُ فخبّرونا – بإنجيل نسِيرُ على خُطاهُ

نُجيبُ بهِ على مَن شكّ فيهِ – وظنّ السّوءَ علّ يَسُدّ فاهُ

وعلّ يعُود عن كذِب وغيٍّ – ليعْرفَ مُوقناً ماذا دهاهُ

ويَعْلمَ أيّ ربّ كان يدعو – وينظرَ في رسالةِ مَن دعاهُ

وفي التاريخ والأخلاق طرّاً – فتنقشِعَ الغشاوة عن عَماهُ

ويَحْسُبَ قيمة الإنسان صَحّاً – ولا يضعَ الأمورَ على هواهُ

لنا ربّ حقيقيّ نُباهي – به الدنيا وتشغلنا سَماهُ

ويشغلنا مصيرُ الناس إمّا – هوت مُدُنٌ أو اٌستعرت مياهُ

دعانا أن نحبّ الغير مهما – سعى كيداً وراوغ مَن نهاهُ

نحبّ إلهنا حبّاً صحيحاً – ونسعى بالسّلام إلى لِقاهُ

وننشر نورَهُ أنّى حَيينا – كمِلح الأرض ما اٌنسحقت حصاهُ

إله محبّة ومَعِين خير – وطوق نجاةِ ملتمِس رضاهُ

لنا ثقة بهِ ربّاً سخِيّاً – ولا ثقة لنا بمَنِ اٌزدراهُ

فما نُعنى بتعليم غريب – ولا في بالنا مالٌ وجاهُ

لنا فخر بربّ المجد أمّا – بربٍّ غيرِهِ تخزى الجباهُ

 * * * * * * *

 http://www.linga.org/poems-articles/MzAyMw

Sunday, April 17, 2011

معارضة المعلّقات العشر (١) معلّقة اٌمرئ القيس

بقلم: رياض الحبيّب
21.12.2010
 

أقتبس من الرابط المذكور أدنى: {تكاد كلمة العلماء بالشعر تتفق، في ما يتعلق بمنزلة المعلقة، على أن أفضل تراث أدبي ورثه العرب من شعر الجاهلية معلّقة امرئ القيس، يعدّون ابتداءها أفضل ابتداء من مطالع الشعر العربي. وقد بلغت من الشهرة في عالم الأدب والشعر منزلة ليست لغيرها، حتى جُعِلت مثلاً أعلى في الجودة وحتى ضُرب بها المثل في الحسن والشهرة، فقيل: (أشهر من قفا نبْك!) و(أحسن من قفا نبك!)... إلخ} انتهى

 
وقد اخترت منها الأبيات التالية

قِفا نبْكِ مِن ذِكرَى حَبيبٍ ومَنزِلِ -- بسِقطِ اللِّوَى بَيْن الدَّخولِ فحَوْمَلِ
تقُولُ وقد مَالَ الغَبيْطُ بنا مَعاً: -- عَقرْتَ بَعِـيرِي يا اٌمْرأ القيْسِ فاٌنزِلِ
فقلتُ لهَا: سِيْرِي وأرْخِي زِمَامَهُ -- ولا تبْعِدِيْنِي مِنْ جَناكِ المُعَلَّلِ
إذا التفتتْ نحْوي تضوّع ريحُها -- نسيمَ الصَّبا جاءتْ برَيّا القرُنفُلِ
مُهَفهَفة ٌ بَيْضَاءُ غيْرُ مُفاضَة -- ترَائِبُهَا مَصْقـولَة كالسَّجَنجَلِ
تُضِيءُ الظَّلامَ بالعِشاءِ كأنَّهَا -- مَنارَة مُمْسَى رَاهِبٍ مُتبَتِّلِ
إلى مِثلِهَا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَة -- إذا مَا اٌسْبَكرَّتْ بَيْن دِرْع ومِجْوَلِ
وليْلٍ كمَوْجِ البَحْرِ أرْخى سُدُولهُ -- عَليَّ بأنواعِ الهُمُوْمِ لِيَبتلِيْ
فقلتُ لهُ لمَّا تمَطَّى بصُلبهِ -- وأرْدَفَ أعْجَازاً وناءَ بكلكلِ
ألا أيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ ألا اٌنجَلِ -- بصُبْح ومَا الإصْبَاحُ منِكَ بأمْثلِ
مِكَرٍّ مِفرٍّ مُقبلٍ مُدْبرٍ مَعاً -- كجُلمُوْدِ صَخرٍ حَطَّهُ السَّيلُ مِن عَلِ
______________


المُعارَضة ١
----------

وقفتُ على ذِكرَى تصدّعِ منزلِ – و ذِكرَى اٌرتحالٍ من عِـراق التذلّلِ


فجُبتُ حدوداً أقتفي في نقاطها – مَمَرّاتِ إنسانٍ نجا بالتسلّلِ


يُقابلني طيفُ الحبيبة باكياً – بصمتٍ فأبكاني بصوتٍ مُزلزِلِ


أردّدُ شِعراً في صِبايَ كتبتُهُ – إليها فلمْ أسكتْ ولمْ أتمَهّـلِ


رثيتُ لحالٍ بات صعباً قبولُهُ – وقد كنتُ أقضيهِ بأحلى تغزّلِ


رقيقٍ بليغٍ مُرهَفِ الحسّ صادقٍ – رفيعٍ بديعٍ حالمٍ مُتجَمِّلِ


نذرتُ إذا ما الحظّ أسعف رحلتي – أغنّجُ عينيها بديوانِ أخطلِ


فلمّا تلاقى البَرّ والبَحرُ واٌنتهى – على زورقٍ خطْويْ بليلٍ ومِشعَـلِ


تساءَلتُ لا أدري أحانت مَنيّتي – أمِ اٌمتحَن الطُّوفانُ فرْط تأمّلي


إلى الضّفة الأخرى تسارَعَ نائياً – يقاومُ مَوجَاً شِبْه حِصْن السّمَوءَلِ


رَسا بعد أيّامٍ على طولِ غُـرْبةٍ – وعُـمْقِ معاناةٍ وعَـرْضِ ترَحّلِ


أطُوف على البلدان لا أستسيغُها – وأركضُ مِثلَ البائع المتجوِّلِ


مطاعمُها في الحَلق حَبّة حَنظلِ – مشاربُها في القلب حَبّة فُلفلِ


إلى أن دعـتني أمّة ٌ أجنبيّة ٌ – إلى وطنٍ ثانٍ جميلٍ مُعَلِّلِ ٢


سَعَيتُ لعيشٍ خير ما يطمَحُ الفتى – شريفاً فلم أكسَلْ ولمْ أتسوّلِ


وسـلّمتُ للأقدار أمري وغايتي – وجدّدتُ شِعْـري بالقريض المُؤثَّلِ


يُشاغلني شوقي إلى دار مولدي – فأعقِلُ أفكاري بحَبلِ التبدُّلِ


تعلّمتُ أنّ المرءَ يولدُ مرّة – وينضجُ مرّاتٍ كقُطنةِ مِغزلِ


هنيئاً لأهلي في العراق صمودُهُمْ – عظيمٌ بوجهِ الغادر المُتطفِّـلِ


ورَدع جبانٍ حاقـدٍ مُفلِسٍ إذا – تعرّضَ للشّرطيّ فرّ كنعْثلِ ٣


هنيئاً لأصحاب المروءة والنّهى – أصائلَ في تأمين ذودٍ ومَوئِلِ

فإنّهُمُ، مهما سرى الهَولُ، فوقهُ – وفي عُرْفهِمْ: مَهْما علا السّيلُ يَنزِلِ

 
*****

١ المعارضة معروفة بمعنى المقابلة في تراث الشعر العربي، إنها محاولة شاعر كتابة قصيدة على نسق قصيدة شاعر آخر وزناً وقافية؛ إمّا مُعجَباً بها أو مفنِّداً ما ورد فيها أو هاجياً شاعـرَها أو مُتبارياً معه
نقرأ في لسان العرب {عارَضَ الشّيءَ بالشيءِ مُعارضة: قابَلهُ، وعارَضْتُ كتابي بكتابه أَي قابلته، وفلان يُعارِضُني أَي يُبارِيني... إلخ} انتهى

٢ المُعَلِّل: مَن يُعَلِّلُ مُتَرَشِّفهُ بالرِّيق؛ قال ابن الأَعرابي: المُعَلِّل هو المُعِـين بالبِرِّ بعد البرّ - لسان العرب


٣ النَّعْثَـلُ: الذّكَرُ مِن الضِّباع – لسان العرب والقاموس المحيط- عِلماً أنّ الضّبع مؤنثة



www.linga.org/one-article/cid8/aid541.html
 

معارضة المعلّقات العشر (٢) معلّقة طرفة بن العبد

بقلم: رياض الحبيّب
24.12.2010

أقتبس من الرابط المذكور أدنى: {على الرغم من حشد الأوصاف والتشبيهات الكبيرة، التي تفنَّن بها طرفة في مقطع طويل تجاوز الأربعين بيتاً، لكي يكشف لنا عن أصالة ناقته وخصائصها الجسدية الكثيرة، إلّا أن هذه الملحمة تكاد تستقطب كل قيمتها في مجموعة الأبيات التي توصف عادة بالحكمة وهي أعمق ما قال شاعر جاهلي وكشف فيها عن موقف ميتافيزيقي إطلاقي. وهي الأبيات التي يخاطب فيها الشاعر زاجره عن التمتع بملذات الحياة فلا يجد ثمّة معنى للعيش إلا بثلاث وسائل هي الفروسية والخمرة والمرأة. ومن هنا يبرز الموقف الوجودي للشاعر مليئاً، عنيفاً بالتحدي للموت والزوال، مسرفاً في ذلك التيار الحيوي الشاب المرح واليائس معاً، الذي ميَّز جيل الشعراء الشباب في العصر الجاهلي، كاٌمرئ القيس وتأبّط شراً والشَّنْفري والأعشى في بعض مذاهبه والنابغة في جانبه الحيّ التلقائي. ومن الغريب أن تنبض تلك الأفكار وتشعّ من جوهر هذا الفتى وهو ما عاش إلا القليل، لكنه عاش العريض المليء من التمتع والمعاناة... إلخ} انتهى
 www.almoallaqat.com

 
وقد اخترت منها الأبيات التالية

لِخوْلة أطلالٌ ببُرْقةِ ثهْمَدِ -- تلُوحُ كبَاقِي الوَشْمِ فِي ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بهَا صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ -- يقوْلون لا تهلكْ أسَىً وَتجَلَّدِ
وَوَجْهٍ كأَنَّ الشَّمْسَ ألْقتْ رِدَاءَها -- عَليْهِ، نقِيِّ اللَّوْنِ، لمْ يَتخدَّدِ
عَلى مِثلِهَا أمْضِي إذا قالَ صَاحِبي -- ألا ليْتنِي أفدِيكَ مِنهَا وأفتدِي
وجَاشتْ إليْهِ النَّفْسُ خوْفاً وخالَهُ -- مُصَابَاً وَلوْ أمْسَى عَلى غيْرِ مَرْصَدِ
إذا القوْمُ قالوا مَن فتىً خِلتُ أنَّنِي -- عُنِيْتُ فلمْ أكْسَلْ وَلمْ أتبَلَّدِ
وَلسْتُ بحَلاَّلِ التِّلاعِ مَخافة -- ولكِنْ مَتى يَسترفِدِ القوْمُ أرفِدِ
فإنْ تَبْغِنِي فِي حَلْقةِ القوْمِ تلْقنِي -- وإنْ تقتنِصْنِي فِي الحَوَانِيتِ تصْطَدِ
ندَامَايَ بـِيضٌ كالنُّجُومِ وَقيْنةٌ -- ترُوحُ عَلينا بَيْن بُرْدٍ ومَجْسَدِ
ومَازالَ تشرابي الخُمُورَ ولذَّتِي -- وبَيْعِي وإنفاقِي طَرِيفِي ومُتلدِي
إلى أنْ تحَامَتنِي العَشِيْرَةُ كُلُّها -- وأُفرِدْتُ إفرادَ البَعِيرِ المُعَبَّدِ
فإنْ كُنْتَ لا تسْطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتي -- فدَعْـنِي أبادِرْهَا بمَا مَلكَتْ يَدِي
أرَى قبْرَ نـَحَّامِ بَخِيْلٍ بمَالِهِ -- كقبْرِ غوِيٍّ فِي البَطَالةِ مُفسِدِ
أرَى المَوْت يَعْتامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي -- عَقِيلةَ مَالِ الفاحِشِ المُتشدِّدِ
وظُلْم ذوِي القرْبَى أشدُّ مَضَاضَةً -- عَلى المَرْءِ مِن وَقعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ
سَتُبدِي لكَ الأيَّامُ مَا كُنْت جَاهِلاً -- ويَأْتِيْكَ بالأخْبَارِ مَن لمْ تزَوّدِ
ويَأتِيْكَ بالأخْبَارِ مَن لمْ تـَبِعْ لهُ -- بَتاتاً ولمْ تضْرِبْ لهُ وقتَ مَوْعِـدِ

_______

المعارضة
----------

لِسَـارة َ أقوالٌ بها الحُبّ يَبتـدي – أُحِبّكَ يا هذا بقـرْبكَ مَعْـبَدي

فبُعْـدُكَ أضناني وشلّ عزيمتي – عن الشّغل ما أهملتُهُ يتبدّدِ ١

إذا غِبتَ عنّي فترة ً خِلتُ أنني – عَمِيتُ فلا ميّـزتُ أمسِيَ عَـن غـدي

أرانِيَ أسدلتُ السِّتارَ على الهـوى – بلا رجعةٍ تُرجى فإنْ شِئتَ أزهَدِ

أتذكُرُ لمّا حِرتَ في أمرِ خِطبتي – وسَعْيك في إرضاء قلبي المُجَمّدِ

لقد هامَ بيْ في الحَيّ تِسعُون عاشِقاً – وتِسعَة ُ كُتّابٍ وقـَيِّمُ مَسْجدِ

تجنّبْتُهُمْ طُرّاً وآثرتُ عُـزلة – لعلّ تؤاسيني وللصَّحِّ أهتدي

خلعْتُ حِجَابَ العقل لمْ ألتزمْ بهِ – وراجَعْتُ نفسيْ بَعْدَ طُول تردّدِ

أللدِّين دخلٌ في شؤون تمدُّني – ورَبْط مَصِيري بالغموض المُخلَّدِ

تصفّحْتُ أوراق التراثِ بتؤدَةٍ – فلمْ ألقَ عاراً مِثلهُ في مُجَلَّدِ

تبرّأ منّي أقربُ الناس للحَشا – وأمْطرَني وَهْمَاً وسَيلَ توعّـدِ

فأيقنتُ أني لمْ أرَ النورَ حُرّة ً – وأدركتُ أنّ الدِّين أبغضُ مُفسِدِ

تخلّيتُ عن داري ومالي ومهنتي – وأسرعتُ صَوبَ النُّورِ والحقُّ في يَدِي

وسافرتُ في الآفاق أرْثيْ لصَفحةٍ – ظلاميّةٍ قاسَيتُها بتـنهّدِ

إلى أنْ تلاقينا على القطر والنّدى – وكأسٍ رشفناها ثُناءً كمَوحَدِ

فأصْغِ إلى نبضِيْ ودَارِ سَجيّتي – تجدْ لكَ ظِلّاً في براءةِ مَقصَدِي ٢

تفيّأْ بهِ ما دُمتَ كالدُّرِّ خالِصَاً – وهيِّئْ لهُ أعـشاشَ طيرٍ مُغرِّدِ

زرَعْـنا بذور الحبّ قمْحاً مُبَارَكاً – ونخلاً وكَرْماً بالأحِبّةِ نقتدي

فمَا لزُؤانٍ سَلّة ٌ مِن سِلالهِ – ولا حِصّة ٌ للزارعِ المُتفرّدِ

على الحُلْو والمُرّ اٌتخذنا قرارَنا – مَعَاً مُذ كتبْنا سِفرَ آخِر مَوعِـدِ

فمَن يَبْنِ بيتاً فوق صَخرٍ يُعَلِّهِ – ومَن يَزرعِ المعروفَ إيّاهُ يحصُدِ

***

أيَا سَارَتا عَهْداً عليّ أصُونهُ – ووَعْـداً إذا أخّـرتُ لا تتشدّدي

فإنْ عاقـني وقـتي اٌتّصَلتُ مُخـبِّرًا – وإنْ غِـبتُ عـن عـينيكِ لا تترصّدي

فما فرّق البُعدُ المُؤقَّتُ بيننا – وفي الرّوح ترنيمُ الوصالِ المُؤكّدِ

لقد حاصَرَتني في الزمان نوائِبٌ – وضايقني أنّي قليلُ التّجلّدِ

رواسِـبُ منها يوجعُ الصّدرَ ذِكرُها – ترفّعْتُ عَمّا فاتَ لمْ أتقـيّدِ

فصَبْراً جميلاً يا فنارَ مرافِئِي – وبوصلة المُشتاقِ والمُتشرِّدِ

مَطافُ حَريقِ الشَّوق خمْرٌ جديدة – إذا عُتِّـقتْ ساغتْ لجَـفنٍ مُسّهَّدِ

ونالَتْ رِضى عينيكِ منها ثمالتي – وصَحْوي على اٌستفقادها وتجدُّدي

فليس التلاقي مِن جديدٍ يشدّنا – إلى عُـشِّـنا لكنْ جديدُ التَّودّدِ

*****

١ ما أهملتُهُ يتبدّدِ؛ ما: شَرطيّة تجزم فِعلين
٢ دارِ: فعل الأمر مِن دارى
 

معارضة المعلّقات العشر (٣) مُعلّقة زهير بن أبي سُلمى

بقلم: رياض الحبيّب
28.12.2010

أقتبس من الرابط المذكور أدنى بتصرّف: {كتب زهـير بن أبي سُلمى معلّقته في ظروف حرب داحس والغبراء التي احتدم أوارُها بين عبس وذبيان، استهلّها زهـير بالغزل ووصف الديار والأطلال الدارسة، ثم تحوّل إلى مدح هرم بن سنان وابن عمّه الحارث بن عوف صانِعَي السلام، وحَمَدهما على فضلهما في حقن الدماء وتحمّل تبعات الصلح بين الفريقين المتنازعين. وأردف زهير هذا المديح بحِكَمِهِ التي محض بها المتحاربين النصح ودعاهم إلى السّلم وحملهم على أن يرهبوا عواقب الحرب ممثلاً لهم أهوالها التي عاشوا في أتونها... إلخ} انتهى
www.almoallaqat.com


والجدير ذكره في هذا المبحث- نقلاً عن ويكيـپـيديا:
{١ قيل أنّ زهـير بن أبي سُلمى كان ينظم القصيدة في شهر ويُهذِّبها في سنة، فكانت قصائده تسمى الحَوليّات
٢ قال التبريزي: إنهُ أحَدُ الثلاثة المُقدَّمِين على سائر الشعراء، إنما اختُلِفَ في تقديم أحد الثلاثة على صاحبَيْه، والآخـَران هما اٌمرؤ القيس والنابغة الذبياني} انتهى


وقد اٌخترت من معلّقة الشاعر الأبيات التالية


أمِنْ أُمِّ أوْفى دِمْنة ٌ لمْ تـَكَلَّمِ -- فحَوْمانة الدُّرَّاجِ فالمُتثلَّمِ
ودارٍ لهَا بالرَّقمَتينِ كأنَّهَا -- مَراجعُ وَشْمٍ في نواشِرِ مِعْصَمِ
وقفْتُ بهَا مِن بَعْدِ عِشرِين حِجَّة ً -- فلأيَاً عَرَفتُ الدَّارَ بَعْدَ توَهُّمِ
فلمَّا عَرَفتُ الدَّارَ قلتُ لِرَبْعِهَا -- ألا عِمْ صَبَاحَاً أيُّهَا الرَّبْعُ واٌسْلَمِ
تبَصَّرْ خليلِي هَلْ ترَى مِن ظعائِنٍ -- تحَمَّلن بالعَلياءِ مِن فوْقِ جُرثمِ
جَعَلن القـَنان عَن يَمِينٍ وحَزْنهُ -- ومَن بالقنانِ مِن مُحِلٍّ ومُحْرِمِ
بَكَرْن بُكُورًا واٌسْتحَرْن بسُحْرَةٍ -- فهُنَّ ووَادِي الرَّسِّ كاليَدِ لِلفمِ
وفِيهِنَّ مَلهَىً لِلَّطِيفِ ومَنظرٌ -- أنِيقٌ لِعَيْنِ النَّاظِرِ المُتوَسِّمِ
كأنَّ فُتات العِهْنِ في كُلِّ مَنزِل -- نزلن بهِ حَبُّ الفـَنا لمْ يُحَطَّمِ
فأقسَمْتُ بالبَيْتِ الذي طافَ حَوْلهُ -- رِجَالٌ بَنـَوهُ مِن قُرَيشٍ وجُرْهُمِ
يَمِينًا لـَنِعْمَ السَّيدانِ وُجـِدتُمَا -- عَلى كُلّ حَالٍ مِن سَحِيلٍ ومُبْرَمِ
تدارَكتُما عَبْسَاً وذُبْيَانَ بَعْدَمَا -- تفانـَوا ودَقُّـوا بَيْنهُمْ عِطرَ مَنشمِ
فأصْبَحْتمَا مِنهَا عَلى خيْرِ مَوْطِن -- بَعِيدَيْن فِيهَا مِن عُقوقٍ ومَأْثَمِ
وقد قلتُمَا إنْ نُدرِكِ السِّلمَ وَاسِعاً -- بمَالٍ ومعرُوفٍ مِن القوْلِ نـَسْلَمِ
فمَن مُبْلِغ الأحلاف عَنِّي رِسَالة -- وذبيان هَلْ أقسَمْتمُ كُلَّ مُقـْسَمِ
فلا تكْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفوسِكُم -- لِيَخفى وَمَهْمَا يُكتـَمِ اللهُ يَعْلمِ
ومَا الحَرْبُ إلاَّ مَا عَلِمْتمْ وذقتُمُ -- ومَا هُوَ عنها بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
سَئِمْتُ تكالِيفَ الحَياةِ ومن يَعِشْ -- ثمَانِين حَوْلاً، لا أبَا لَكَ، يَسْأمِ
رأيْتُ المَنايَا خبْطَ عَشوَاءَ مَن تُصِبْ -- تُمِتهُ ومَنْ تُخْطِئِ يُعَمَّرْ فيَهْرَمِ
وأعْلمُ عِلم اليَوْمِ والأمْس قبْلهُ -- ولكِنّني عَنْ عِلمِ مَا فِي غدٍ عَمِ
ومَنْ يَكُ ذا فضْلٍ فيَبْخلْ بفضْلِهِ -- عَلى قوْمِهِ يُسْتغْـن عَنهُ ويُذمَمِ
ومَن هابَ أسْبَابَ المَنايَا يَنـَلنهُ -- وإن يَرْقَ أسْبَابَ السَّمَاءِ بسُلَّمِ
ومَهْمَا تكُنْ عِندَ اٌمرِئٍ مِن خلِيقةٍ -- وإن خالهَا تـَخفى على النَّاسِ تُعْلَمِ
لِسَانُ الفتى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فؤادُهُ -- فلمْ يَبْقَ إلا صُورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ
______________


المعارضة
----------

رَحِيقُكِ أذكى ما تضَوّعَ في فمي – ورِيْقكِ أصْفى ما تسَرّبَ في دمي

وهَـمْسُـكِ يَسْـري نغمة ً ذاتَ نبرةٍ – تليقُ بمَغـزى صَمْتِكِ المتكلِّمِ

بَيَانٌ وتبيينٌ يَحُوْطان مُقـلة ً – إذا أدمَعَتْ زِيْنتْ بأحلى تبسُّمِ ١

ترَقـرَقَ فيها الدّمْعُ ما لِنقائِهِ – مَثيلٌ على خدِّ الحَرير المُنعَّمِ

وقد ضاءَ فيها خيرُ بيتٍ لشاعرٍ – تميّز في تصوير قلبٍ مُتيَّمِ

وفي وَصْف طيفٍ فائِقِ الحُسْن بَعْدَما – تدرّجَتِ الألوانُ فيهِ بسُلَّمِ

مُعلّقة ً ضَاهتْ جَنائن بابلٍ – بمَنظرهَا مَا لمْ يَسَعْ لوحُ مَرسَمِ

فصُوْرَتُكِ العَصْمَاءُ حُلْمي ويقظتي – وسِيْرَتُك السّمْحَاءُ حَرفُ ترنّمي

***

تعالـَيْ نـَسِحْ فوق الطّبيعة والمَدى – لننشُرَ هذا الحبّ في عالَمٍ ظَمِي

وننسى جبالاً مِّن هُمومٍ كثيرةٍ – ألا ليتها تنزاحُ مِثلَ المُقطَّمِ

يقولون أنّ الأرض للهِ وَحْدِهِ – فأنّى نطأْ فوق البَسيطةِ نـَسْلـَمِ

هنالِكَ في روما جَمَالٌ ورَوعَة ٌ – وتاريخُ شَعْبٍ ناهِضٍ متقدّمِ

كمَا في أثِينا والشّواهدُ لمْ تزلْ – مَعَالمُها الغرّاءُ لمْ تتهدّمِ ٢

هنالِكَ سَاحَ الناسُ مِن كلّ أمّةٍ – ومِنهمْ مُقِيمٌ في عُقـوقٍ ومَأثـَمِ

ومِنهمْ كريمُ النّفْس يَشهدُ للنَّدى – وللغـَيْرِ مأسُوراً بفضْلٍ ومَكْرُمِ ٣

ذهَبْتُ إلى هذي وتلكَ ومُنيَـتي – زيارةُ أقداسٍ لهَا الرُّوحُ ينتمي ٤

هَلُمَّ إلى قانا الجليل وكأسِها – هَلُمَّ إلى مَهْدِ المَسِيحِ المُعَلِّمِ ٥

هَلُمَّ إلى قُدْسِ البشارةِ عَلّهُ – يُبشّرنا بُشرى المَلاكِ لمَرْيَمِ

بمِيلادِ صُلحٍ مُستقيمٍ وشاملٍ – يَعُمّ جَمِيعَ الناس دُون تظلّمِ

كذا تحضُنُ الأرضُ الجَمِيعَ بخيرِها – إذا مَا اٌتّقى ناراً كنارِ جَهَنّمِ

عَجبْتُ لأمْرِ الناسِ إنّ اٌختلافهُمْ – مفيدٌ ولكنْ بَعضهُمْ جاهِلٌ عَمِ

أحَلّ لهُ ما لمْ يُحِلّ لغيرِهِ – وحَرّمَ ما للذاتِ غيرَ مُحَرَّمِ

هَلُمَّ إلى شِبْهِ الجَزيرةِ كي نرَى – لقومٍ ظِلالاً أو بقيّة مَعلَمِ

كظِلِّ يَهُودِيٍّ على باب خيبرٍ – وظِلِّ مَسِيحِيٍّ على بئر زَمْزَمِ

يُقالُ: فتىً مَّا جَادَ فيها برَحْمَةٍ – لنبحَثْ إذاً في صِدْقِ قولٍ ومَزعَمِ

كفى صَاحِبيْ إفكاً فقد سَخِرَ الورى – من الإفكِ أمَّا العُذرُ للمُتوَهِّمِ

لِنفتحْ طريقاً للتآخي بنـَخْوَةٍ – تُناطُ بإنسانٍ شقيقٍ وتوأمِ

وإلّا فمَا جَدْوَى الرِّياءِ وصِنْوِهِ؟ – وإنفاقِ دِينارٍ لإصلاحِ دِرهَمِ ٦

*******


١ اقتباساً من عنوان كتاب للجاحظ؛ حيث البيان: الدلالة على المعنى. والتبيين: الإيضاح


٢ حَظيَ الشاعر بزيارة أثينا صيف العام 1996 وبزيارة روما في مطلع العام 2001


٣ المَكْرُمُ والمَكْرُمة، بضم رائِهِما، والأكْرومَة، بالضم: فِعْلُ الكَرَمِ- القاموس المحيط


٤ الرُّوحُ، بالضم: ما به حَياةُ الأنْفُسِ، ويُؤنَّث- القاموس المحيط


٥ قال سِيْبَوَيْه، نقلاً عن لسان العرب بتصرّف، أنّ هَلُمّ هي “ها” ضُمّت إِليها “لُمّ” وجُعِلتا كالكلمة الواحدة؛ هَلمَّ في لغة أهل الحجاز يكون للواحد والإثنين والجمع والذكر والأنثى بلفظٍ واحد، وأهلُ نَجْدٍ يُصَرِّفونها، وأمّا في لغة بني تمِيم وأهل نجْد فإنهم يُجْرُونهُ مُجْرَى قولك رُدَّ، يقولون للواحد هَلُمَّ كقولك رُدَّ وللأُنثى هَلُمِّي كقولك رُدِّي... إلخ


٦ وإنفاقِ دينارٍ لإصلاحِ دِرهَمِ: اقتباساً من مثل شعبي في العراق
________________
 
www.linga.org/one-article/cid8/aid544.html


www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=239922

معارضة المعلّقات العشر (٤) مُعَلّقة عنترة بن شدّاد

بقلم: رياض الحبيّب
في 03 يناير 2011

أقتبس من الرابط المذكور أدنى بتصرّف: {أرجَعَ التبريزي سبب نظم المعلّقة إلى الظروف التي أعقبت حرية عنترة واعتراف أبيه به؛ قيل أنّ واحداً من بني عبس شتمَهُ وعَيّرَهُ بأمّهِ وسَخِر منه لسواد لونه، فاٌنبرى عنترة إلى الإفتخار ببسالته ووصف فروسيته، متحدّياً خصماً قال له (أنا أعظم شاعرية منك) فإذا صحّت هذه الرواية تكون معلقة عنترة أولى قصائده الطوال وأجودها، إذ لم يُذكَر له قبلها سوى أبيات متفرّقة ومقاطع قصيرة

تكاد معلقة عنترة تكون محدّدة الأغراض، فهو يستهلّها كسائر الجاهليّين؛ بذكر الأطلال ووصف الفراق، ثم ينتقل إلى ذكر عبلة حبيبته ووصفها، مفتخراً بمناقبه الأخلاقية وفروسيته، ثمّ وصف الخمرة والإعتداد بكرمه، حتى ينتهي إلى وصف قوّته ونيله من أعدائه وتفوّقه في الحرب والقتال... إلخ} انتهى
 
وقد اخترت منها الأبيات التالية

هَلْ غادَرَ الشُّعَرَاءُ مِن مُترَدَّمِ -- أمْ هَلْ عَرَفتَ الدَّارَ بعدَ توَهُّمِ
يا دارَ عبلة بالجواءِ تكَلَّمي -- وعِمِيْ صباحاً دارَ عَبلة واٌسلَمي
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تقادَمَ عَهْدُهُ -- أقوى وأقفرَ بَعدَ أمِّ الهَيثمِ
حَلَّتْ بأرضِ الزَّائِرين فأصْبَحَتْ -- عسراً عَلَيَّ طِلابُكِ اٌبنة مَخْرَمِ
ولقد نزلتِ فلا تظُنِّي غَيرَهُ -- مِنّي بمَنزِلةِ المُحِبِّ المُكْرَمِ
إن كنتِ أزمَعتِ الفِراقَ فإنَّمَا -- زَمَّتْ رِكابُكُمُ بليلٍ مُظْلِمِ
ما رَاعَني إلاَّ حَمولَةُ أهلِهَا-- وَسْطَ الدِّيَارِ تـَسفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ
إذ تستبيكَ بذِي غُروبٍ واضِحٍ -- عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لذيذِ المَطعَمِ
وكأنَّ فارَة تاجرٍ بقسِيمَةٍ -- سَبَقتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفمِ
أوْ رَوْضَةً أُنُفاً تضَمَّن نبْتَهَا -- غيْثٌ قليلُ الدَّمْنِ ليسَ بمَعْلَمِ
جَادَتْ عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ -- فترَكن كُلَّ قرَارَةٍ كالدِّرْهَمِ
أثْنِي عَليَّ بمَا عَلِمْتِ فإنَّني -- سَهْلٌ مُخالقتي إذا لمْ أُظْلَمِ
وإذا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلمِيَ بَاسِلٌ -- مُرٌّ مَذاقتُهُ كطَعمِ العَلقمِ
ولقد شرِبْتُ مِن المُدَامَةِ بَعْدَما -- رَكَدَ الهَواجرُ بالمَشوفِ المُعْلَمِ
فإذا شَرَبْتُ فإنَّنِي مُسْتهْلِكٌ -- مَالي، وَعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ
وإذا صَحَوتُ فما أقصِّرُ عن نَدَىً -- وكما عَلِمتِ شمائِلي وتكرُّمي
هَلاَّ سألتِ الخيلَ يا اٌبنةَ مالِكٍ -- إن كُنْتِ جاهِلةً بمَا لم تَعْلمِي
يُخْبرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقيعَةَ أنَّنِي -- أَغْـشى الوَغى وأَعِفُّ عِنْدَ المَغنمِ
**
يا شَاةَ ما قنـَصٍ لِمَن حَلَّتْ لهُ -- حَرُمَتْ عَلَيّ وليْتها لم تـَحْرُمِ
فبَعَثْتُ جَارِيَتي فقلتُ لهَا اٌذهَبي-- فتجَسَّسِي أخبارَها لِيَ واٌعْلَمِي
قالتْ رَأيتُ مِن الأعادِي غِرَّةً -- والشَّاةُ مُمْكِنةٌ لِمَن هُوَ مُرتمِي
يَدْعُون عَنترَ وَالرِّماحُ كَأَنَّها -- أشْطانُ بئرٍ في لَبانِ الأدْهَمِ
مازِلْتُ أرْمِيهِمْ بثُغْرَةِ نحْرِهِ -- ولبانِهِ حَتَّى تسَرْبَلَ بالدَّمِ
فاٌزوَرَّ مِنْ وَقعِ القنا بلِبانِهِ -- وشكَا إليّ بعَبْرَةٍ وتحَمْحُمِ
لو كان يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اٌشتكى -- ولكان لو عَلِمَ الكلامَ مُكَلِّمِي
ولقد شَفى نفسي وأبرَأ سُقمَهَا -- قِيْلُ الفوارِسِ وَيْكَ عَنترَ أقْدِمِ
_______


المعارضة
----------



غادرتُ أرضاً بين فكَّي ضَيْغمِ -- وعَبَرْتُ بَحْراً لمْ يَجفّ مِن الدّمِ


وتركتُ بيئة نشأتي مُتعَثِّراً -- بفِخاخِها وقضَائِها المُتأزِّمِ


مُتشبِّـثاً بعقيدتي وقصيدتي -- لمْ أسْهُ عَن حَقّيْ ولمْ أستسلِمِ


مُسْتوحِياً أدباً يَهُمّ قضيّتي -- مِن نبعِهِ في نقدِ فِكْرٍ مُظلِمِ


فكرٍ يُحاربُ خِصْبَ كَرْمٍ كأسُهُ -- ساغتْ لقلبيَ بَلسَمَاً قبل الفمِ


حتى اٌفتقدتُ دَبيبَها ولهيبَها -- واٌنسابَ حُلْوُ مَذاقِها كالعَلقمِ


ضحّيتُ بالكأس الرّويّةِ حامِياً -- داراً وُلِدتُ وَوَشْمُها في المِعْصَم


داراً أباحَ المُستفِزّ مَتاعَها -- لأبيتَ في دارٍ كدارِ الأرقمِ


فقطعتُ شوط صِبايَ بين خنادقٍ -- وندَبْتُ حَظّاً نامِياً كالبُرعُمِ


وكتبتُ للأصحاب أنّي راحِلٌ -- لا أشتري كنز الخضوع بدِرهَمِ


فثقافة الصحراء مَصْدَرُ بدعةٍ -- بدويّةِ التصنيف لم تتقدّمِ


نزلتْ على قومٍ بَليدٍ ساذجٍ -- بنِقابها وبوجهِها المُتجهِّمِ


غاروا علينا في الظلام بغزوةٍ -- مُستذئِبين على خِرافٍ نُوَّمِ


سَلبُوا حضارتنا وخيرَ سُهولِنا -- وحُقولِنا باٌسْم الإلهِ المُسْلِمِ


عارضتُ غزوتهُمْ برُوحِ مَحَبّةٍ -- وتواضُعٍ وترفّعٍ وترنّمِ


بالمنطق المَدْرُوس صُغتُ مَقولتي -- بكرامةٍ آثرتُ صَدّ المُجرمِ


سنردّهُمْ مُستأسِدين بصَبْرنا -- وطلولِنا وزجاجها المُتهشِّمِ


حتى إذا العقلاءُ منهمْ أدركوا -- هَولَ المُصاب وسِرّ ظِلٍّ مُعْتِمِ


فتنبّهوا للضّيمِ بَعْدَ تأمّلٍ -- وتبيّنوا زيفَ المُضِلِّ الأعظمِ


شرَعُوا بتحرير العقول وقاوموا -- تكفيرَ شيخٍ حاسِرٍ ومُعَمّمِ


نفرٌ إذا اٌحتكمَ القضاءُ لرأيِهِمْ -- قالوا الصّحيحَ وسَلّموا بالمَعْلَمِ


عَرَفوا الشَّريفَ مِن اللسانِ ومِن ندى -- كفٍّ سَختْ وترفّعَتْ عن مَغنمِ


ذاك الذي وخز السّؤالُ ضَمِيرَهُ -- مُستغرِباً مِن حُكْم شرعٍ مُبْهَمِ


فاٌرتدّ ينفرُ ناقِداً أو ساخِراً -- أو صابراً بفؤادِهِ المُتألّمِ


***


وكتبتُ للشُّعراء يومَ تبرّأوا -- مِنّي بحُجّةِ جَنّةٍ وجَهَنّمِ


فتجاهلوا طُرّاً مَقامِيَ بينهمْ -- واٌستنكرَ النُّقَّادُ وَسْمَ المِيسمِ


قالوا قريضُكَ لا يُناسِبُ دِيننا -- وتراثنا في مَحْفِلٍ مُتمَسْلِمِ


ما زلتَ تُحْرجُنا أمامَ نِسائِنا -- بمَدِيح زوجكَ والغرامِ الأعجمي


مجنون إلزا ليس في أعرافنا -- لا تـَهْرِفنّ إذاً بمَا لمْ تعْلمِ *


إنّ المجانين الذين نُجلّهُمْ -- مِن غير ذاك الصِّنف لا تتوهّمِ


فأجبتُ أنّ شريكتي وحبيبتي -- مِن عِرْق نبْتٍ ناضجٍ ومُقلَّمِ


موهوبة ٌ بثِمار فِكْرٍ نيِّرٍ -- مسرورة ٌ بخلاصِها مِن طلسَمِ


عبَرَتْ إلى بَرّ الأمانِ بوَعْـيها -- صَوبي فأهْدتني قرِيْحَة مُلهَمِ


هلّا نسَبْتُ الفضلَ لاٌبنةِ سَيّدٍ -- مَلِكِ المُلوكِ وبنتِ خير مُعَلِّمِ


لو صِرتُ عنترة ً فنِصْفِيَ عَبْلة ٌ -- أو صِرْتُ يُوسُفَ فالولاءُ لمَرْيَمِ


*******


* إشارة إلى الشاعر الفرنسي والروائي لويس أراغون (1897-1982) وقد عنون باٌسم حبيبته إلزا أربع مجموعات شعرية منها «مجنون إلزا» وأشار مصدر مطّلع إلى أنّها كاتبة من أصل روسي، مُلهِمَة الشاعر وزوجته ورفيقة دربه


www.linga.org/one-article/cid8/aid547.html

معارضة المعلّقات العشر (٥) مُعَلّقة لبيد بن ربيعة

بقلم: رياض الحبيّب
في 09 يناير 2011

أقتبس من الرابط المذكور أدنى باختصار: {تحتل المعلّقة، كما قال التبريزي، مرتبة الصدارة في ديوان لبيد من حيث دلالتها على شاعريته قبل الإسلام. وهي السابعة بين معلّقات معاصريه، وتقع في حدود التسعين بيتاً. ومن أهم أغراضها: وصف الأطلال وآثار الديار، الإشفاق لرحيل الأحبة والتغزل بالمرأة المحبوبة، العناية بوصف الناقة والافتتان في تشبيهها تارة بالغمامة الحمراء وتارة بالبقرة الوحشية، الخلوص ثانية من الوصف إلى الغزل والفخر، وفي معلقته وصف للّهو والخمر وتطرّق إلى نعت الفرس والتغني بالفروسية والكرم... إلخ} انتهى. عِلماً أنّ اٌسم محبوبة الشاعر: نـَوَار

 وأقتبس من سيرة لبيد التي في ويكيپـيديا بتصرّف: {عندما رأى النابغة الذبياني علامات الشاعرية على لبيد قال له: (يا غلام إنّ عَـينيك لعَيْنا شاعر أنشِدْني) فأنشده اٌثنتين من قصائده فقال له: (زِدْني) فأنشده المعلّقة فقال له النابغة: (إذهب فأنت أشعَرُ العرب- وفي رواية: أشعر هوازن) وأساسُ معلّقته الطلولُ ومنتصفها وصف الخمرة والمحبوبة وآخرها على الكرم والفخر. مدح بعض ملوك الغساسنة مثل عمرو بن جبلة وجبلة بن الحارث. أدرك الإسلام فأسلم وعُدّ من الصحابة ومن المُؤلّفة قلوبُهُم. وترك الشعر فلم يقل في الإسلام إلّا بيتاً واحداً. سكن الكوفة وعاش عمراً طويلاً؛ 157 سنة بحسب ابن قتيبة أو 145 كما ورد في كتاب الأغاني، تسعون منها في الجاهلية وما تبقى في الإسلام. أرسل حاكم الكوفة يوماً في طلب لبيد وسأله أن يُلقي بعضاً من شعره فقرأ لبيد سورة البقرة وقال عندما انتهى "منحني الله هذا عوض شعري بعد أن أصبحت مسلماً" فعندما سمع الخليفة عمر بذلك أضاف مبلغ 500 درهم إلى 2000 درهم التي كان يتقاضها لبيد} انتهى
 
وتعليقاً على إضافة 500 درهم؛ يسرّني أن أذكر قصة الغني الذي أراد أن يرث الحياة الأبدية في الإنجيل بتدوين لوقا 18: 18-27 {وسألهُ رئيسٌ قائلاً أيّها المُعَلِّمُ الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحدٌ صالحاً الاّ واحد وهو الله. أنت تعرف الوصايا لا تزن، لا تقتل، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأمّك. فقال: هذه كلّها حفظتها منذ حداثتي. فلمّا سَمِع يسوع ذلك قال له: يعوزك أيضًا شيء؛ بعْ كلّ ما لك ووزّع على الفقراء فيكون لك كنز في السماء و تعال اٌتبعني. فلمّا سمع ذلك حزن لأنه كان غنيّاً جدّاً. فلمّا رآه يسوع قد حزن قال: ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله، لأنّ دخول جَمَل من ثقب إبرة أيسر مِن أن يدخل غنيّ الى ملكوت الله. فقال الذين سَمِعوا: فمَن يستطيع أن يخلُص؟ فقال: غيرُ المُستطاع عند الناس مستطاع عند الله} انتهى

وقد اخترت من معلّقة لبيد الأبيات التالية

عَفتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فمُقامُهَا -- بمِنىً تأبَّدَ غَوْلُهَا فرِجَامُهَا
فمَدَافِعُ الرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُهَا -- خـَلَقاً كمَا ضَمِن الوُحِيَّ سِلامُهَا
دِمَنٌ تجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أنِيسِهَا -- حِجَجٌ خَلوْن حَلالُهَا وحَرَامُهَا
فوقفتُ أسْألُهَا وكيْفَ سُؤالُنا -- صُمَّاً خوَالِدَ مَا يَبيْنُ كلامُهَا
عَرِيَتْ وكان بهَا الجَمِيْعُ فأبْكَرُوا -- مِنهَا وغُودِرَ نُؤيُهَا وثُمَامُهَا
بَلْ مَا تـَذكَّرُ مِن نـَوَارَ وقدْ نأت -- وتقطَّعَتْ أسْبَابُهَا ورِمَامُهَا
أوَ لمْ تكُنْ تدرِي نـَوَارُ بأنَّنِي -- وَصَّالُ عَقدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُهَا
تـَرَّاكُ أمْكِنَةٍ إذا لمْ أرْضَهَا -- أوْ يَعْتلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
بَلْ أنْتِ لا تدْرِين كمْ مِن ليْلة -- طَلْقٍ لذِيذٍ لهْوُهَا ونِدَامُهَا
قد بتُّ سَامِرَهَا وغايَةَ تاجر -- وافيْتُ إذ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدَامُهَا
ولقد حَمَيْتُ الحَيَّ تحْمِلُ شِكَّتِي -- فُرْطٌ وِشاحِي إذ غدَوْتُ لِجَامُهَا
وكثِيرَةٍ غُرَبَاؤهَا مَجْهُولةٍ -- تُرْجَى نوَافِلُهَا ويُخْشى ذامُهَا
أنكرْتُ بَاطِلهَا وبُؤتُ بحَقّهَا -- عندي ولمْ يفخرْ عليّ كِرَامُهَا
إنَّا إذا التقتِ المَجَامِعُ لمْ يزلْ -- مِنَّا لِزازُ عَظِيمَةٍ جَشَّامُهَا
ومُقَسِّمٌ يُعْطِي العَشِيرَة حَقَّهَا -- ومُغذمِرٌ لِحُقوقِهَا هَضَّامُهَا
فضْلاً وذو كرَمٍ يُعِينُ عَلى النَّدَى -- سَمْحٌ كَسُوبُ رَغائِبٍ غنَّامُهَا
مِن مَعْشَرٍ سَنَّتْ لهُمْ آبَاؤهُمْ -- ولِكُلِّ قوْمٍ سُنَّة ٌ وإمَامُهَا
لا يَطبَعُون ولا يَبُورُ فِعَالُهُمْ -- إذ لا يَمِيلُ مَعَ الهَوَى أحْلامُهَا
فاقنعْ بمَا قسَمَ المَلِيكُ فإنَّمَا -- قسَمَ الخلائِقَ بَيْننا عَلاَّمُهَا
وإذا الأمَانة قُسِّمَتْ في مَعْشر-- أوْفى بأوفر حَظِّنا قسَّامُهَا
 
***
 
المعارضة
----------

حَـفِـظ الـدِّيـارَ أمانُـهـا وسلامُـهـا – سِـيّــانِ فـيـهـا ضـوءُهــا وظـلامُـهـا

نفـحَـتْ نسائمُـهـا وفــاحَ عَبـيـرُهـا – لـمّــا تـآخــى أهـلُـهـا وكِـرامُـهـا

لبنائِـهـا فنهوضِـهـا فسُـمُـوِّهـا – فـــوق الـمُـحـالِ وفـخـرُهـا أعـلامُـهـا

للـذَّوْدِ عَـن غدِهـا كسالِـفِ عَهْدِهـا – حـتّـى مَـضَـتْ بسَـلامَـةٍ أيّامُـهـا

مَهْمَـا أغـارَ علـى مَعالِمِهـا العِـدَى – صَمَـدَتْ وفُـضّ نِزاعُهـا وخِصامُهـا

عَرَفـتْ أعادِيَهـا وجُـلُّ مُـرادِهِـمْ – إذلالُـهـا وعـلـى الـطَّـوَى إرغامُـهـا *

إلّا عــدوّاً مِــن ذوِي القـرْبَـى سَـعَـى – مُتسَـلِّـلاً فـــإذا بـــهِ هـدّامُـهـا

صَعْبٌ على حامي الحِمَى تمييزهُ – والأصعبُ التصديق: ذاكَ سُخامُها

خـان الدِّيـارَ وعِرْضَهـا وحَلالهـا – مـا عُـدّ فـي ضِمْـن الـحَـلال حَرامُـهـا

إنّ الــدِّيــارَ عــزيــزة ٌ بلُـحُـومِـهـا – وشُـحُـومِـهـا مَـحْـمُـولـة ٌ أورامُــهــا

أمّـا الخبيـث فـلا سَبـيـلَ لحَمْـلِـهِ – مَـسَـخ الـدِّيَـارَ وقـصْـدُهُ إضرامُـهـا

طُـــرّاً فـــلا يُـبـقـي لـهــا أثـــراً ولا – ذِكْـــراً ليَـعْـبَـث بـالـديـار لِئـامُـهـا

مـا زال يَسلبُـهـا الـرّعـاعُ بَريقـهـا – مــا غــضّ طَـرْفـاً عنـهُـمُ حُكّامُـهـا

مِـثــل الـذيــن تمَسْـكـنـوا فتمَـكّـنـوا – وتعَمْـلـقـوا لـكـنّـهُـمْ أقـزامُـهــا

حَـضّـوا عـلـى تكفـيـر كــلّ مُخـالـفٍ – لشـريـعـةٍ أزرتْ بـهــا أوهـامُـهـا

واٌستحْدَثـوا التهجيـرَ دون رقابـةٍ – فمتـى يَعُـودُ إلـى القضـاءِ زمامُهـا؟

واٌسْتعْـرَضـوا التفجـيـر يَــوْمَ تسَـرّبـت – أحقـادُهُـمْ وتفـجّـرتْ ألغـامُـهـا

في الأبرياء وفي الفضاء بأسْـرِهِ – فغـدا المَـدَى نـاراً تطيـشُ سِهامُهـا

وشَكتْ طبيعتُـهُ التلـوّثَ مـا هَـوَى – مَطـرٌ ومـا غسَـلَ الريـاحَ غمامُهـا

لا مـاؤهـا عــذبٌ ولا خضـراؤهـا – نـفـعـتْ لـيـأسِـرَ شـاعــراً إلهـامُـهـا

حتـى المُدامـة لـمْ تـسُـغْ لـفـؤادِهِ – خُلِـطـتْ فـعَـزّ صَفـاؤهـا ونِدَامُـهَـا

ويـكـادُ ريــشُ الـرّسـم يفـقـدُ لـونـهُ – أو يستعـيـن بفحْـمَـةٍ رسّـامُـهـا

فـتـبـدّلــتْ أشـكـالُـهــا وتـغــيّــرت – ألـوانُــهــا وتـغــبّــرت أنـسـامُـهــا

تُرثـى الديـارُ المُستفَـزّة بَعْدَمـا – هَــدَأتْ عَـسَـى أنْ يَستـقِـرّ وئامُـهـا

خـيـرُ الـدّيـار المُستـقِـلّ قضـاؤهـا – والمُستـتِـبّ طريـقـهـا ونِظـامُـهـا

أغـفـتْ وأعْـيُـن صَوْنِـهـا مفتـوحـة – رِيـعَـتْ فـهَـبّ مُسِنّـهـا وغـلامُـهـا
 
تبقـى الأقلّيـاتُ وهْـيَ أصيلـة – فــي الأرض فــوق جـذورهـا آرامُـهـا

فسألتُ سـارة بَعْـدَ نيـل خلاصِهـا – عَـن مِحْنـةٍ قاسَـتْ وولّـى عامُهـا

للهِ دَرّكِ هــــلْ وَثِــقــتِ بـمُـسْـلِـمٍ أو مــــا ديــــارٌ نــافِــعٌ إسـلامُــهــا

قـالـت لَــوَ اٌنّ المُسْلِمِـيْـن بحَيِّـنـا – صَـدَقـوا وشـيـخُ دِيـارِنـا وإمـامُـهـا

لــن تطمَـئِـنّ النَّـفْـسُ بَـعْـدَ تقِـيّـةٍ مِــن ربِّـهِـمْ محفـوظـة أنغـامُـهـا

مـا عــادَ مِــن أمْــر خفـيّـاً مُبْهَـمَـاً – خـلـفَ الحَقيـقـةِ سـائـرٌ خُدّامُـهـا

مَـن يسـألِ الخبَـرَ اليقيـن تـشُـدَّهُ – بـيـضُ الصَّحـائـفِ حُــرّة أقلامُـهـا

إنّ المَصَـادِرَ كالمَعَـادِنِ بَعْضُهـا – صـافٍ فـمَـا شــابَ المَـعَـادن خامُـهـا

 *******

* الطَّوَى: الجوع

معارضة المعلّقات العشر (٦) مُعَلّقة عمرو بن كلثوم

بقلم: رياض الحبيّب
15.01.2011
 
أقتطِفُ- بتصرّف- من سيرة عمرو بن كلثوم التغلبيّ التي في ديوان جمعه وحققه وشرحه الباحث والمحقق د. إميل بديع يعقوب- وهو أستاذ في علوم اللغة العربية، لبناني من مواليد 1950 في قضاء الكُورة- في كتاب عنوانه “شعراؤنا- ديوان عمرو بن كلثوم” والناشر: دار الكتاب العربي، لكني عثرتُ على الديوان عبر الإنترنت


{عمرو بن كلثوم شاعر من الطبقة الأولى، ولد - أغلب الظنّ- في بلاد ربيعة الواقعة في شماليّ الجزيرة العربية، كان والده من سادات قومه وأفرس العرب، وأمّه ليلى بنت المهلهل (عديّ بن زيد) الشاعر الفارس الذي اشتهر في حرب تغلب وبكر. فنشأ عمرو يكتنفه الشرف من الطرفين في قبيلة تغلب التي ثبتت على نصرانيتها حتى القرن الرابع بعد الهجرة والتي عُدّت الأقوى في العصر الجاهلي، حتى قيل: (لو أبطأ الإسلام قليلاً لأكل بنو تغلب الناس) لذا بالغ الشاعر في إعجابه بنفسه وفي فخره بأهله وقومه. لكنّ خصاله الحميدة، الشاعريّة والخطابيّة والفروسيّة بالإضافة إلى الكرم والشجاعة، جعلته سيّد قومه وهو فتىً ابن خمسة عشر عاماً! أنشد معلقته مُرتجلاً جزءها الأوّل (ارتجلَ الكلامَ: أي تكَلَّمَ به من غير أن يُهَيِّئَهُ- القاموس المحيط) قبل حادثة فتكه بعمرو بن هند 554 -570 م أحد ملوك المناذرة، حتى ضُرب مَثلٌ بفتكه: (أفتك من عمرو بن كلثوم) ذلك بسبب محاولة أمّ الملك عمرو بن هند (وهند هي عمّة شاعر المعلّقات الأوّل اٌمرئ القيس) في إذلال أمّ الشاعر ليلى بنت المهلهل (وهي بنت أخي فاطمة بنت ربيعة- وفاطمة هي أمّ امرئ القيس، أي كان هناك نسَبٌ بين أمّ الشاعر وأمّ الملك) خلال قيامهما بزيارة للملك في الحِيرة- عاصمة المناذرة- تلبية لدعوته. ثمّ أكمل بعد الحادثة معلّقته التي قاربت ألف بيت وخطب بها في سوق عُكاظ بمكّة


وقد اعتُبرت من أجود القصائد العربيّة وأجود المعلّقات، حتى قيل: (لو وُضِعتْ أشعار العرب في كفّة، وقصيدة عمرو في كفة، لمالت بأكثرها) وإن كان الشاعرُ مُقِلّاً بالشّعْر بل اعتُبر من شعراء الواحدة- أي الذين اشتهروا بقصيدة واحدة. لكنّ الشاعر عدّدَ بمعلّقته مفاخرَ قومه التغلبيّين ودافع عن حقوقهم وردّ مزاعم أعدائهم، فعظّمَها بنو تغلب ورواها صغارُهم وكبارُهم، حتى هُجُوا بسببها من قبيلة بكر- على الأخصّ


تناقلها الرواة فضاع منها ما ضاع وبقِيَ منها أقلّها، المنتشر في كتب تراثية عدّة، لعلّ الرقم الأعلى مئة وتسعة عشر بيتاً في كتاب حسن السّندوسيّ (شرح ديوان امرئ القيس ومعه أخبار المراقسة وأشعارهم) لكنها حظِيت بعناية أعلام الأدب والباحثين قدامى ومُحْدَثين ومستشرقين ولا تزال، شأنها شأن سائر المعلقات. وقد انفردت هذه المعلّقة بمقدّمتها الخمريّة عن سواها


أمّا الشاعر أخيراً فقد عمّر زهاء مِائة وخمسين عاماً وتوفّي سنة 600 م بحسب شعراء النصرانية للأب اليسوعي لويس شيخو، أو سنة 40 ق هـ بحسب الأعلام للزركلي ومعجم المؤلّفين لعمر كحالة} انتهى. وقد اخترت من معلّقته الأبيات التالية


ألا هُبِّي بصَحْنِكِ فاٌصْبَحِينا -- وَلا تُبْقِي خُمُورَ الأندَرِينا
مُشَعْشَعَةً كأنَّ الحُصَّ فِيهَا -- إذا مَا المَاءُ خالَطَهَا سَخِينا
صَبَنتِ الكأسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرو -- وكان الكأسُ مَجْرَاهَا اليَمِينا
وكأسٍ قدْ شَرِبْتُ ببَعْلَبَكٍّ -- وأخرى فِي دِمَشْقَ وقاصِرِينا
إذا صَمَدَتْ حُمَيّاها أريباً -- من الفتيان خِلتَ به جُنونا
وأنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنا المَنايَا -- مُقدَّرَةً لنا ومُقدَّرِينا
قِفِي قبْلَ التَّفرُّقِ يا ظَعِينا -- نُخبِّرْكِ اليَقِين وتُخْبرِينا
قِفِي نسْألْكِ هَلْ أحْدَثتِ صَرْماً -- لِوَشْكِ البَيْنِ أمْ خُنْتِ الأمِينا
بيَوْمِ كرِيهَةِ ضَرْبَاً وطَعْناً -- أقرَّ بهِ مَوَالِيكِ العُيُونا
وإنَّ غدًا وإنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ -- وبَعْدَ غدٍ بمَا لا تـَعْلمِينا
أفي ليلى يعاتبُني أبوها -- وإخوتها وهُمْ لي ظالِمونا
أبَا هِنْدٍ فلا تـَعْجَلْ عليْنا -- وأنظِرْنا نُخبِّرْكَ اليَقِينا
بأنَّا نُوْرِدُ الرَّايَاتِ بـِيضَاً -- ونُصْدِرُهُنَّ حُمْرَاً قدْ رَوِينا
وأيَّامٍ لنا غُرٍّ طِوَالٍ -- عَصَيْنا المَلْكَ فِيهَا أن نـَدِينا
نزلتُمْ مَنْزِلَ الأضيَافِ مِنّا -- فأعْجَلنا القِرَى أن تشتِمُونا
نعُمُّ أَناسَنا ونعِفُّ عَنهُمْ -- ونحْمِلُ عنهُمُ مَا حَمَّلُونا
ألا لاَ يَجْهَلَنْ أحَدٌ عليْنا -- فنجْهَل فوْق جَهْلِ الجَاهِلِينا
بأيِّ مَشِيئةٍ عَمْرَو بْن هِندٍ -- تُطِيْعُ بنا الوُشَاة وتزدرِينا؟
تـَهَدَّدْنا وأوعِدْنا رُوَيْدَاً -- مَتى كُنَّا لأُمِّكَ مقتوِينا؟
فإنّ قناتنا يَا عَمْرُو أعْيَتْ -- عَلى الأعْدَاءِ قبْلكَ أنْ تـَلِينا
فهَلْ حُدِّثتَ فِي جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ -- بنقصٍ فِي خُطُوبِ الأوَّلِينا؟
وَرِثْتُ مُهَلهِلاً والخـَيْرَ مِنْهُ -- زُهَيرًا نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِينا
وعَتَّابَاً وكُلثُومَاً جَمِيعًا -- بهِمْ نِلنا تُرَاثَ الأكرَمِينا
ومِنَّا قبْلـَهُ السَّاعِي كُلَيْبٌ -- فأيُّ المَجْدِ إلّاّ قدْ وَلِينا؟
مَتى نـَعْقِدْ قـَرِينتنا بحَبْلٍ -- نجُذُّ الحَبْلَ أوْ نـَقِصِ القـَرِينا
ونحْنُ الحَاكِمُون إذا أُطِعْنا -- ونحْنُ العازِمُون إذا عُصِينا
فصَالُوا صَوْلَة فِيْمَن يَلِيهِمْ -- وصُلْنا صَوْلة فِيْمَن يَلِينا
فآبُوا بالنِّهَابِ وبالسَّبَايا -- وأُبْنا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينا
إليْكُمْ يَا بَنِي بَكْرٍ إليْكُمْ -- ألمَّا تعْرِفُوا مِنَّا اليَقِينا
وَقدْ عَلِمَ القبَائِلُ مِن مَعَدٍّ -- إذا قُبَبٌ بأبْطَحِهَا بُنِينا
بأنَّا المُطْعِمُون إذا قدَرْنا -- وأَنَّا المُهْلِكُون إذا اٌبْتُلِينا
ونشْرَبُ إنْ وَرَدْنا المَاءَ صَفوًا -- ويَشْرَبُ غيْرُنا كَدَرًا وطِينا
ألاَ أَبْلِغْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَنَّا -- وَدُعْمِيَّاً فكيْفَ وَجَدتُمُونا
إذا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خـَسْفاً -- أبَيْنا أنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِينا
لنا الدّنيا ومَن أمْسَى عليها -- ونـَبطِشُ حين نبطِش قادِرينا
بُغاة ً ظالِمِين وما ظُلِمنا -- ولكِنّا سنبدأ ظالِمِينا
مَلأْنا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا -- ومَوجُ البَحْرِ نمْلؤُهُ سَفِينا
إذا بَلغ الرّضيعُ لنا فِطاماً -- تـَخِرُّ لهُ الجَبَابرُ سَاجدِينا
______________


المعارضة
----------


هُناكَ سُلافة ٌ للعاشقينا – ولي وحبيبتي أنّى سُقِـينا


وَصَلنا عُرسَهُم فاٌستقبَلونا – سُكارى بالكرومِ مُعَمَّدِينا


شُغِفنا بالمَذاقِ وبالحُمَيّا – فسافرنا ودُرنا راجعِـينا


نحُطّ الرَّحْل بالفيحاء ساعاً – ونرحَلُ صَوبَ أورَ وخانقينا ١


إلى أمّ الرّبيعَين اٌنتقلنا – ودَيرِ الزَّعفرانِ وقاسِيونا ٢


وقفنا في كنيسة بيتِ لحْمٍ – وبتنا ساهِرِين وحَالِمِينا


بدار الخُلدِ ليت نعُودُ يوماً – إليها نادِمِين وتائِبينا


وَرِثنا الموتَ عَن خطإ وَحِيدٍ – فمُتنا واٌستمرّ الموتُ فينا


بسَهْمِ جُناحِ آدَمَ وهْو يَعْصِي – إلهَ مَحَبّةٍ عَصْياً مُبينا


وقد دفعَتهُ حَوّاءُ اٌحْتِكاماً – إلى إبليسَ رَبِّ الماكِرينا


فدِنّا للإلهِ عظيمَ دَينٍ – ليُولدَ كلُّ إنسانٍ مَدِينا


وما وفّى لنا دَيْناً نبيٌ – ولا نجّى رسولٌ مُذنِبينا


وإن ذبحوا الكِباش لهُمْ فداءً – وإنْ أمّوا المَعَابدَ ساجدِينا


وإنْ صَنعُـوا مِن الحَسَناتِ طَودًا – وإن نذروا وصَلّوا صائِمِينا


ولو شفعَتْ لسَيّئةٍ صَلاة – وقربانٌ لبـِتنا سَيِّئينا


وأبدَعْـنا القبائحَ في صَبَاحٍ – وعُـدْنا في المَسَاءِ مُسَبِّحِينا


وخرّبْنا حضارتنا فبادَت – ورَضَّينا الإلهَ مُكبِّرينا


وما يُرضى الإلهُ بمُوبقاتٍ – ولا يَرضى الإلهُ بما رَضِينا


إذا ما اٌنحَطّتِ الأخلاقُ يوماً – يَبيتُ المَرْءُ أسْفلَ سافِلينا


وإنْ رضِيَ الإلهُ بتلك- حاشا -- يكُنْ رَبٌّاً خُرافِيّاً قـَرِينا


ويُقرَنْ وَحْيُهُ بخزعْـبلاتٍ – يُحَدِّثها رُواة ٌ ساخِرينا


وما جدوى الكِباشِ فلمْ تُحَرِّرْ – بسَفكِ دمائِها بَشَراً سَجينا


وإنسِيّاً لإبليسٍ مَسُوقاً – فعَبْداً للخطيئةِ مُستكِينا


وكيف يُعادلُ الإنسانَ كبشٌ؟ – يُساقُ بعِزّ صِحّتِهِ سَمِينا


فلمْ يَصْلُح سِوى رَمْزٍ مُشيراً – إلى الفادي رجاءِ المُخطِئِينا


أريق على الصليب دَمٌ ومَاءٌ – فماتَ وقامَ إنساناً يَقِينا


وأمّا رُوحُهُ حَيٌّ وباقٍ – وأمّا نورُهُ مَلأ العُيُونا


فلمْ يمُتِ الإلهُ بمَوتِ جسْمٍ – وقد نسَفتْ قِيامتُهُ الظنونا


وقد شهِدَ القيامة والتجلّي – شُهُودُ الحَقّ والمُستـشهِدُونا


بهِ ولقد مَضوا سَعْـياً حَثِيثاً – يجُـوبون الجهاتِ مُبَشِّرينا


وإلّا لم يُضَحِّ فتىً بنفْسٍ – يُقدِّسُها ولا بَذلَ الثمينا


هُوَ العهدُ الجديدُ لنا حياة – نعيشُ بهِ الجَديدَ مُخَلَّصِينا


رسالتُهُ المَحَبّة دون شرْطٍ – نجَدِّدُ صوتها حِيناً فحِينا


ونشرَبُ كأسَها أبَدًا ونسقي – أحِبّتنا ونسقي الكارِهِـينا


صَبُوحاً أو غـَبُوقاً ما اٌنصَرَفـنا – إلى فِئةٍ بها مُتحَيِّـزينا


لأنّ الكأسَ واحِدَة ٌ لصِنفٍ – نفِيسٍ نحْتسِـي مُستمتِعِـينا


فريدٍ لا نظيرَ لهُ ولكنْ – أفاق بها جَمِيعُ الشّاربينا


بتلكَ صَحَا سُكارى عُرْسِ قانا – وكانوا في الجَليلِ مُغفَّلِينا ٣


فأمسى العُرْسُ في ظمَإٍ إليها – وذاق وكيلُ مائِدةٍ حَزينا


يلومُ عَرُوسَهُ إذ جاءَ قبْلاً – شرابًا عُدّ مُبتذلاً ودُونا


ولا يدري لسِرّ الكأس أمْرًا – وقد صُنِعتْ زلالاً مُستبينا


سعى الخُدّامُ منتصِحِين ممّن – دَعَت أن يستجيبوا طائِعِينا


لِمَا شاءَ اٌبنها والوقتُ لمّا – يَحِنْ لِيُتِمّ آياتٍ ودِينا


فلبّى دعوة العذراء بـِرّاً – بها أمّاً مُؤازِرَة ً حَنونا


وذاعَ بيانُ مُعجزةٍ لرَبٍّ – حَقيقيٍّ يَشُدّ المُعجَبينا


وذاعتْ مُعجزاتٌ بَعْدَ أخرى – وما زلنا نشاهِدُ مُؤمِنِينا


فعمّمَ نِعْمَة ً وأقامَ عدلاً – وسِلْماً لمْ يخُصّ الأقربينا


وقد وَهَبَ الخلاصَ لكلّ رُوحٍ – لأنّ برُوحِهِ قهَـرَ المنونا


فلا نخشى المَمَاتَ ولا نُبالي – بهِ ما دامَ قاهِرُهُ أمِينا


هُو الحيّ الذي لا مَجْدَ إلّا – لهُ لا أوّلِين وآخِرينا


*******


١ الفيحاء: من أسماء مدينة البصرة

٢ أمّ الرّبيعَين: من أسماء مدينة نينوى- الموصل

٣ في هذا البيت وما يلي؛ قراءة شعرية لمعجزة السيّد المسيح الأولى التي صَنعَ في عُرس قانا الجليل، الواردة في الأصحاح الثاني في الإنجيل بتدوين البشير يُوحَنّا

http://www.linga.org/one-article/cid8/aid558.html