Sunday, April 17, 2011

معارضة المعلّقات العشر (٦) مُعَلّقة عمرو بن كلثوم

بقلم: رياض الحبيّب
15.01.2011
 
أقتطِفُ- بتصرّف- من سيرة عمرو بن كلثوم التغلبيّ التي في ديوان جمعه وحققه وشرحه الباحث والمحقق د. إميل بديع يعقوب- وهو أستاذ في علوم اللغة العربية، لبناني من مواليد 1950 في قضاء الكُورة- في كتاب عنوانه “شعراؤنا- ديوان عمرو بن كلثوم” والناشر: دار الكتاب العربي، لكني عثرتُ على الديوان عبر الإنترنت


{عمرو بن كلثوم شاعر من الطبقة الأولى، ولد - أغلب الظنّ- في بلاد ربيعة الواقعة في شماليّ الجزيرة العربية، كان والده من سادات قومه وأفرس العرب، وأمّه ليلى بنت المهلهل (عديّ بن زيد) الشاعر الفارس الذي اشتهر في حرب تغلب وبكر. فنشأ عمرو يكتنفه الشرف من الطرفين في قبيلة تغلب التي ثبتت على نصرانيتها حتى القرن الرابع بعد الهجرة والتي عُدّت الأقوى في العصر الجاهلي، حتى قيل: (لو أبطأ الإسلام قليلاً لأكل بنو تغلب الناس) لذا بالغ الشاعر في إعجابه بنفسه وفي فخره بأهله وقومه. لكنّ خصاله الحميدة، الشاعريّة والخطابيّة والفروسيّة بالإضافة إلى الكرم والشجاعة، جعلته سيّد قومه وهو فتىً ابن خمسة عشر عاماً! أنشد معلقته مُرتجلاً جزءها الأوّل (ارتجلَ الكلامَ: أي تكَلَّمَ به من غير أن يُهَيِّئَهُ- القاموس المحيط) قبل حادثة فتكه بعمرو بن هند 554 -570 م أحد ملوك المناذرة، حتى ضُرب مَثلٌ بفتكه: (أفتك من عمرو بن كلثوم) ذلك بسبب محاولة أمّ الملك عمرو بن هند (وهند هي عمّة شاعر المعلّقات الأوّل اٌمرئ القيس) في إذلال أمّ الشاعر ليلى بنت المهلهل (وهي بنت أخي فاطمة بنت ربيعة- وفاطمة هي أمّ امرئ القيس، أي كان هناك نسَبٌ بين أمّ الشاعر وأمّ الملك) خلال قيامهما بزيارة للملك في الحِيرة- عاصمة المناذرة- تلبية لدعوته. ثمّ أكمل بعد الحادثة معلّقته التي قاربت ألف بيت وخطب بها في سوق عُكاظ بمكّة


وقد اعتُبرت من أجود القصائد العربيّة وأجود المعلّقات، حتى قيل: (لو وُضِعتْ أشعار العرب في كفّة، وقصيدة عمرو في كفة، لمالت بأكثرها) وإن كان الشاعرُ مُقِلّاً بالشّعْر بل اعتُبر من شعراء الواحدة- أي الذين اشتهروا بقصيدة واحدة. لكنّ الشاعر عدّدَ بمعلّقته مفاخرَ قومه التغلبيّين ودافع عن حقوقهم وردّ مزاعم أعدائهم، فعظّمَها بنو تغلب ورواها صغارُهم وكبارُهم، حتى هُجُوا بسببها من قبيلة بكر- على الأخصّ


تناقلها الرواة فضاع منها ما ضاع وبقِيَ منها أقلّها، المنتشر في كتب تراثية عدّة، لعلّ الرقم الأعلى مئة وتسعة عشر بيتاً في كتاب حسن السّندوسيّ (شرح ديوان امرئ القيس ومعه أخبار المراقسة وأشعارهم) لكنها حظِيت بعناية أعلام الأدب والباحثين قدامى ومُحْدَثين ومستشرقين ولا تزال، شأنها شأن سائر المعلقات. وقد انفردت هذه المعلّقة بمقدّمتها الخمريّة عن سواها


أمّا الشاعر أخيراً فقد عمّر زهاء مِائة وخمسين عاماً وتوفّي سنة 600 م بحسب شعراء النصرانية للأب اليسوعي لويس شيخو، أو سنة 40 ق هـ بحسب الأعلام للزركلي ومعجم المؤلّفين لعمر كحالة} انتهى. وقد اخترت من معلّقته الأبيات التالية


ألا هُبِّي بصَحْنِكِ فاٌصْبَحِينا -- وَلا تُبْقِي خُمُورَ الأندَرِينا
مُشَعْشَعَةً كأنَّ الحُصَّ فِيهَا -- إذا مَا المَاءُ خالَطَهَا سَخِينا
صَبَنتِ الكأسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرو -- وكان الكأسُ مَجْرَاهَا اليَمِينا
وكأسٍ قدْ شَرِبْتُ ببَعْلَبَكٍّ -- وأخرى فِي دِمَشْقَ وقاصِرِينا
إذا صَمَدَتْ حُمَيّاها أريباً -- من الفتيان خِلتَ به جُنونا
وأنَّا سَوْفَ تُدْرِكُنا المَنايَا -- مُقدَّرَةً لنا ومُقدَّرِينا
قِفِي قبْلَ التَّفرُّقِ يا ظَعِينا -- نُخبِّرْكِ اليَقِين وتُخْبرِينا
قِفِي نسْألْكِ هَلْ أحْدَثتِ صَرْماً -- لِوَشْكِ البَيْنِ أمْ خُنْتِ الأمِينا
بيَوْمِ كرِيهَةِ ضَرْبَاً وطَعْناً -- أقرَّ بهِ مَوَالِيكِ العُيُونا
وإنَّ غدًا وإنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ -- وبَعْدَ غدٍ بمَا لا تـَعْلمِينا
أفي ليلى يعاتبُني أبوها -- وإخوتها وهُمْ لي ظالِمونا
أبَا هِنْدٍ فلا تـَعْجَلْ عليْنا -- وأنظِرْنا نُخبِّرْكَ اليَقِينا
بأنَّا نُوْرِدُ الرَّايَاتِ بـِيضَاً -- ونُصْدِرُهُنَّ حُمْرَاً قدْ رَوِينا
وأيَّامٍ لنا غُرٍّ طِوَالٍ -- عَصَيْنا المَلْكَ فِيهَا أن نـَدِينا
نزلتُمْ مَنْزِلَ الأضيَافِ مِنّا -- فأعْجَلنا القِرَى أن تشتِمُونا
نعُمُّ أَناسَنا ونعِفُّ عَنهُمْ -- ونحْمِلُ عنهُمُ مَا حَمَّلُونا
ألا لاَ يَجْهَلَنْ أحَدٌ عليْنا -- فنجْهَل فوْق جَهْلِ الجَاهِلِينا
بأيِّ مَشِيئةٍ عَمْرَو بْن هِندٍ -- تُطِيْعُ بنا الوُشَاة وتزدرِينا؟
تـَهَدَّدْنا وأوعِدْنا رُوَيْدَاً -- مَتى كُنَّا لأُمِّكَ مقتوِينا؟
فإنّ قناتنا يَا عَمْرُو أعْيَتْ -- عَلى الأعْدَاءِ قبْلكَ أنْ تـَلِينا
فهَلْ حُدِّثتَ فِي جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ -- بنقصٍ فِي خُطُوبِ الأوَّلِينا؟
وَرِثْتُ مُهَلهِلاً والخـَيْرَ مِنْهُ -- زُهَيرًا نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِينا
وعَتَّابَاً وكُلثُومَاً جَمِيعًا -- بهِمْ نِلنا تُرَاثَ الأكرَمِينا
ومِنَّا قبْلـَهُ السَّاعِي كُلَيْبٌ -- فأيُّ المَجْدِ إلّاّ قدْ وَلِينا؟
مَتى نـَعْقِدْ قـَرِينتنا بحَبْلٍ -- نجُذُّ الحَبْلَ أوْ نـَقِصِ القـَرِينا
ونحْنُ الحَاكِمُون إذا أُطِعْنا -- ونحْنُ العازِمُون إذا عُصِينا
فصَالُوا صَوْلَة فِيْمَن يَلِيهِمْ -- وصُلْنا صَوْلة فِيْمَن يَلِينا
فآبُوا بالنِّهَابِ وبالسَّبَايا -- وأُبْنا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينا
إليْكُمْ يَا بَنِي بَكْرٍ إليْكُمْ -- ألمَّا تعْرِفُوا مِنَّا اليَقِينا
وَقدْ عَلِمَ القبَائِلُ مِن مَعَدٍّ -- إذا قُبَبٌ بأبْطَحِهَا بُنِينا
بأنَّا المُطْعِمُون إذا قدَرْنا -- وأَنَّا المُهْلِكُون إذا اٌبْتُلِينا
ونشْرَبُ إنْ وَرَدْنا المَاءَ صَفوًا -- ويَشْرَبُ غيْرُنا كَدَرًا وطِينا
ألاَ أَبْلِغْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَنَّا -- وَدُعْمِيَّاً فكيْفَ وَجَدتُمُونا
إذا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خـَسْفاً -- أبَيْنا أنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِينا
لنا الدّنيا ومَن أمْسَى عليها -- ونـَبطِشُ حين نبطِش قادِرينا
بُغاة ً ظالِمِين وما ظُلِمنا -- ولكِنّا سنبدأ ظالِمِينا
مَلأْنا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا -- ومَوجُ البَحْرِ نمْلؤُهُ سَفِينا
إذا بَلغ الرّضيعُ لنا فِطاماً -- تـَخِرُّ لهُ الجَبَابرُ سَاجدِينا
______________


المعارضة
----------


هُناكَ سُلافة ٌ للعاشقينا – ولي وحبيبتي أنّى سُقِـينا


وَصَلنا عُرسَهُم فاٌستقبَلونا – سُكارى بالكرومِ مُعَمَّدِينا


شُغِفنا بالمَذاقِ وبالحُمَيّا – فسافرنا ودُرنا راجعِـينا


نحُطّ الرَّحْل بالفيحاء ساعاً – ونرحَلُ صَوبَ أورَ وخانقينا ١


إلى أمّ الرّبيعَين اٌنتقلنا – ودَيرِ الزَّعفرانِ وقاسِيونا ٢


وقفنا في كنيسة بيتِ لحْمٍ – وبتنا ساهِرِين وحَالِمِينا


بدار الخُلدِ ليت نعُودُ يوماً – إليها نادِمِين وتائِبينا


وَرِثنا الموتَ عَن خطإ وَحِيدٍ – فمُتنا واٌستمرّ الموتُ فينا


بسَهْمِ جُناحِ آدَمَ وهْو يَعْصِي – إلهَ مَحَبّةٍ عَصْياً مُبينا


وقد دفعَتهُ حَوّاءُ اٌحْتِكاماً – إلى إبليسَ رَبِّ الماكِرينا


فدِنّا للإلهِ عظيمَ دَينٍ – ليُولدَ كلُّ إنسانٍ مَدِينا


وما وفّى لنا دَيْناً نبيٌ – ولا نجّى رسولٌ مُذنِبينا


وإن ذبحوا الكِباش لهُمْ فداءً – وإنْ أمّوا المَعَابدَ ساجدِينا


وإنْ صَنعُـوا مِن الحَسَناتِ طَودًا – وإن نذروا وصَلّوا صائِمِينا


ولو شفعَتْ لسَيّئةٍ صَلاة – وقربانٌ لبـِتنا سَيِّئينا


وأبدَعْـنا القبائحَ في صَبَاحٍ – وعُـدْنا في المَسَاءِ مُسَبِّحِينا


وخرّبْنا حضارتنا فبادَت – ورَضَّينا الإلهَ مُكبِّرينا


وما يُرضى الإلهُ بمُوبقاتٍ – ولا يَرضى الإلهُ بما رَضِينا


إذا ما اٌنحَطّتِ الأخلاقُ يوماً – يَبيتُ المَرْءُ أسْفلَ سافِلينا


وإنْ رضِيَ الإلهُ بتلك- حاشا -- يكُنْ رَبٌّاً خُرافِيّاً قـَرِينا


ويُقرَنْ وَحْيُهُ بخزعْـبلاتٍ – يُحَدِّثها رُواة ٌ ساخِرينا


وما جدوى الكِباشِ فلمْ تُحَرِّرْ – بسَفكِ دمائِها بَشَراً سَجينا


وإنسِيّاً لإبليسٍ مَسُوقاً – فعَبْداً للخطيئةِ مُستكِينا


وكيف يُعادلُ الإنسانَ كبشٌ؟ – يُساقُ بعِزّ صِحّتِهِ سَمِينا


فلمْ يَصْلُح سِوى رَمْزٍ مُشيراً – إلى الفادي رجاءِ المُخطِئِينا


أريق على الصليب دَمٌ ومَاءٌ – فماتَ وقامَ إنساناً يَقِينا


وأمّا رُوحُهُ حَيٌّ وباقٍ – وأمّا نورُهُ مَلأ العُيُونا


فلمْ يمُتِ الإلهُ بمَوتِ جسْمٍ – وقد نسَفتْ قِيامتُهُ الظنونا


وقد شهِدَ القيامة والتجلّي – شُهُودُ الحَقّ والمُستـشهِدُونا


بهِ ولقد مَضوا سَعْـياً حَثِيثاً – يجُـوبون الجهاتِ مُبَشِّرينا


وإلّا لم يُضَحِّ فتىً بنفْسٍ – يُقدِّسُها ولا بَذلَ الثمينا


هُوَ العهدُ الجديدُ لنا حياة – نعيشُ بهِ الجَديدَ مُخَلَّصِينا


رسالتُهُ المَحَبّة دون شرْطٍ – نجَدِّدُ صوتها حِيناً فحِينا


ونشرَبُ كأسَها أبَدًا ونسقي – أحِبّتنا ونسقي الكارِهِـينا


صَبُوحاً أو غـَبُوقاً ما اٌنصَرَفـنا – إلى فِئةٍ بها مُتحَيِّـزينا


لأنّ الكأسَ واحِدَة ٌ لصِنفٍ – نفِيسٍ نحْتسِـي مُستمتِعِـينا


فريدٍ لا نظيرَ لهُ ولكنْ – أفاق بها جَمِيعُ الشّاربينا


بتلكَ صَحَا سُكارى عُرْسِ قانا – وكانوا في الجَليلِ مُغفَّلِينا ٣


فأمسى العُرْسُ في ظمَإٍ إليها – وذاق وكيلُ مائِدةٍ حَزينا


يلومُ عَرُوسَهُ إذ جاءَ قبْلاً – شرابًا عُدّ مُبتذلاً ودُونا


ولا يدري لسِرّ الكأس أمْرًا – وقد صُنِعتْ زلالاً مُستبينا


سعى الخُدّامُ منتصِحِين ممّن – دَعَت أن يستجيبوا طائِعِينا


لِمَا شاءَ اٌبنها والوقتُ لمّا – يَحِنْ لِيُتِمّ آياتٍ ودِينا


فلبّى دعوة العذراء بـِرّاً – بها أمّاً مُؤازِرَة ً حَنونا


وذاعَ بيانُ مُعجزةٍ لرَبٍّ – حَقيقيٍّ يَشُدّ المُعجَبينا


وذاعتْ مُعجزاتٌ بَعْدَ أخرى – وما زلنا نشاهِدُ مُؤمِنِينا


فعمّمَ نِعْمَة ً وأقامَ عدلاً – وسِلْماً لمْ يخُصّ الأقربينا


وقد وَهَبَ الخلاصَ لكلّ رُوحٍ – لأنّ برُوحِهِ قهَـرَ المنونا


فلا نخشى المَمَاتَ ولا نُبالي – بهِ ما دامَ قاهِرُهُ أمِينا


هُو الحيّ الذي لا مَجْدَ إلّا – لهُ لا أوّلِين وآخِرينا


*******


١ الفيحاء: من أسماء مدينة البصرة

٢ أمّ الرّبيعَين: من أسماء مدينة نينوى- الموصل

٣ في هذا البيت وما يلي؛ قراءة شعرية لمعجزة السيّد المسيح الأولى التي صَنعَ في عُرس قانا الجليل، الواردة في الأصحاح الثاني في الإنجيل بتدوين البشير يُوحَنّا

http://www.linga.org/one-article/cid8/aid558.html

No comments:

Post a Comment