Sunday, April 3, 2011

وقفة حِيال اٌمرئ القيس وعَبيد بن الأبرص

بقلم: رياض الحبيّب
30.07.2010

لـَقـِيَ اٌمرؤ القيس يوماً عـَبـيْـدَ بن الأبرص الأسدي- وكلاهما من أصحاب المعلّقات العشر- فقال عبيد: كيف معرفتك بالأوابد؟ [الأوابد: الألغاز...] فردّ اٌمرؤ القيس: قل ما شئت تجدْني كما أحببت. علماً أنّ اٌمرأ القيس قد وُصِف بالملك الضّلّيل وكان يُنازع الشعراء

وقد اعتبر عدد من المؤرّخين أنّ المعارضة، التالية بعد قليل، إمّا حدثت فعليّاً وليست من تأليف أحد الرواة، قد سبقت حادثة إقدام بني أسد، أي قوم عبيد، على قتل والد اٌمرئ القيس وهو حُجْر بن الحارث الكندي (بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور بن مرتع بن... بن يعرب بن قحطان) الذي كان مَلـِكاً على بني أسد وغطفان وأحد ملوك كندة

وبما أنّ المعارضة (أو المساجلة أو المناظرة- سمِّها ما شئت) التي جرت بين الشاعِرَين قد لفتتني، آثرت أن أقف حيالها وقفة ما، مُحتفياً بالشعر القديم من جهة ومحاولاً إحياء الشعر العمودي الهادف من جهة مُقابلة، معتمِداً أسلوب المعارضة آنذاك؛ بأن يأتي المُعارض ببيت (أو قصيدة) من الوزن نفسه- وهو هنا بحر البسيط- والقافية ذاتها وحرف الرّويّ عينه

هنا الرواية وقد وردت في ديوان امرئ القيس بشرح د. عُمَر الطبَّاع، كما وردت في كتاب شعراء النصرانيّة لمؤلّفه الأب: لويس شيخو اليسوعي، الجزء الأوّل، الصفحة 9 وفي غيرهما:


قال عبيد: مـا حَيّـة ٌ مَيْتـة ٌ قامـتْ بمـِيتـتِهـا -- دَرْداءُ ما أنبتتْ ناباً وأضراسـا؟
في رواية: حَبّة ٌ، بدلاً من حيّة. ويُروى أيضاً: سِنّاً، بدلاً ممّا ورد- ناباً

أجاب امرؤ القيس: تلك الشعيرةُ تُسقـى فـي سنابلهـا -- فأخرجَتْ بعْدَ طول المُكْـثِ أكداسـا

الوقفة: ما نبتة ٌ أثمرتْ خيراً زراعتُها؟ ** تلكَ المَحَبّة ُ تأتي الصّخرَ إحساسا

عبيد: ما السُّودُ والبيضُ والأسماءُ واحدةٌ -- لا يستطيعُ لهُـنّ النّـاسُ تمسَاسَـا
امرؤ القيس: تلك السّحابُ إذا الرّحْمـ ـنُ أرْسَلهـا -- رَوّى بها من مُحُول الأرض أيْـبَاسَا
الوقفة: ما الخير والشرّ والأخلاق مُفترَقٌ ** تلك الثقافة ُ تحـوي التِّـبْـرَ والماسا


عبيد: ما مُرتِجَاتٌ على هَـولٍ مَراكِبُهـا -- يقطعْـن طولَ المدى سَيراً وإمرَاسَا
امرؤ القيس: تِلكَ الـنّجُـومُ إذا حانـتْ مَطالِعُـهَـا -- شَـبّهْـتُـهَا في سَـوَادِ اللّيـلِ أقـبَاسَـا
الوقفة: ما وقفة ٌ للضّمير الحَيّ مَرجـِعُها ** تلك العدالة ُ مَن نادى بها قاسى


عبيد: ما القاطِعاتُ لأرضٍ لا أنيسَ بهـا -- تأتي سِراعاً وما ترجـِعْـنَ أنكاسَـا
امرؤ القيس: تلك الرّيـاحُ إذا هَبّـتْ عَوَاصِفهـا -- كفـى بأذيالهَـا للـتـربِ كـنّـاسَـا
الوقفة: ما المُفرَداتُ إذا ما ألقـِيَتْ فـَنـِيَتْ ** تلك المعاني ثناها الليّ أقواسا


عبيد: ما الفاجعاتُ جَهَاراً فـي عَلانِيَـة -- أشدُّ مـن فيْلـقٍ مَملـوءةٍ بَاسَـا
يُروى: ملمومة، بدلاً من مملوءة، باساً: بأساً

امرؤ القيس: تِلكَ المَنايا فمَـا يُبْـقـِيـن مِـن أحـدٍ -- يَكفِتن حَمْقى ومـا يُـبقـِيـن أكيَاسَـا

الوقفة: ما نخلة رغم أنفِ الموتِ شامخة ** تلك الفضيلة ألقت خلفها الياسا
الياس: اليأس

عبيد: مَا السّابقاتُ سِرَاعَ الطَّيرِ في مَهَـلٍ -- لا يَشتكـِين ولـو ألجَمْتهـا فاسَـا

امرؤ القيس: تِلكَ الجيادُ عليَها القومُ مُذ نتجَتْ -- كانوا لهُنّ غـدَاة الـرَّوْعِ أحْلاسَـا
وفي رواية: عليها القوم قد سَبَحُوا، لكنّها ركيكة- في نظري- لا ترقى إلى لغة امرئ القيس

الوقفة: ما حِكمة روّضت وغداً لتصلحهُ ** هَـلُـمّ نُصْغي معاً أو نحتسي كاسا
كاساً: كأساً


عبيد: ما القاطِعَاتُ لأرْض الجَوّ في طَلَقٍ -- قبل الصّباحِ وَما يَسْرِين قِرْطاسَـا
يُروى: يسْوين، بدلاً من: يَسْرين

امرؤ القيس: تِلكَ الأمَانيُّ يَترُكـن الفتـى مَلِكاً -- دُون السّمَاءِ ولمْ ترْفعْ لهُ رَاسَـا
وفي رواية: به، بدلاً من: له، راساً: رأساً

الوقفة: ما شوكة ٌ في فؤادٍ قد يُطاوعُها ** وَعْدٌ يُكرَّرُ تسويفاً وإيناسا

عبيد: ما الحاكمُونَ بلا سَمْـع ٍ وَلا بَصَـر -- ولا لِسَانٍ فصِيحٍ يُعْجـبُ الـنّاسَـا
امرؤ القيس: تِلكَ الموَازِينُ والرّحْمـ ـنُ أنزلهَـا -- رَبُّ البَرِيّةِ بَيـن النّـاسِ مِقـياسـا
الوقفة: ما تحفة أُلقـِيَت في رُكْنِ مُهْـمَلةٍ ** قلتُ: العنيدُ الذي عاداكَ إفلاسا


تنويه: وجدت في بعض المواقع الالكترونيّة محاولات عدّة يهدف أصحابها إلى التشكيك بصحّة الرواية، قد عثرت على أبرز أسبابها وهو ورود كلمة "الرحمـ ـن" في المعارضة وكأن الكلمة حكر على مؤلّف القرآن (فالعرب في الجاهلية لم تكن تطلق اسم الرحمـ ـن على الله تعالى) انتهى. أمّا من جهة الشعر فهناك اعتراض- هنا نصّه حَرْفيّاً: (لو صحّ الخبر عن امرئ القيس لوجدنا له أصداء في الشعر الجاهلي ولتلقف الشعراء المساجلة عن امرئ القيس وساروا على طريقته فيها، كما فعلوا في الوقوف على الأطلال مثلاً) والصواب: مثالاً

قلت: ألا ليت شعري ما أدراك بمعارضات الشعر في ذلك العصر ومن أين أتى مؤلّف القرآن بمفردة الرَّحْمَن قبلما وَصَلت إلى سمْعه من مصدر ما؟ بل كانت مستخدمة بالمعنى عينه (أي الله) في كلام الحقبة المُسَمّاة بُطلاً بالجاهليّة. فقد ورد في معرض تفسير ابن كثير للفقرة الأولى من سورة الفاتحة: {قال ابن جرير: وقد أنشد بعض الجاهلية الجُهّال:
ألَا ضَرَبَتْ تِلكَ الفتاة هَجـِينَهَا --- ألَا قضَبَ الرَّحْمَانُ رَبِّي يَمِينهَا

وقال سَلَامَة بْن جُنْدُب الطُّهَوِيّ
عَجـِلْتُمْ عَليْنا إذ عَجـِلنَا عَليْكُمُ --- ومَا يَشَأِ الرَّحْمَنُ يَعْقِدْ وَيُطْلِقِ} انتهى

وما تقدّم هو ممّا لديّ من أدلّة على استخدام كلمة  الرَّحْمَن قبلما وردت في القرآن

أمّا عن أصداء الرواية في الشعر الجاهلي قلت؛ لماذا لم يفترض المشكّك أنّ امرأ القيس كان سبّاقاً في منازعة الشعراء، ليس عبيد بن الأبرص فحسب، بل نازع أيضاً التّوأمَ اليَشكُـريّ جدّ قتادة بن الحارث- راجع كتاب شعراء النصرانية المذكور، ج 1 ص 10 – فقال امرؤ القيس للشاعر التوأم: إن كنت شاعراً فأجز أنصاف ما أقول. فقال التوأم: قلْ ما شئت. فقال امرؤ القيس- من بحر الوافر: أصاحِ ترى بُريقاً هَبّ وَهْناً

فقال التوأم: كنار مَجُوسَ تستعـِرُ اٌستعارا
وفي رواية: كنار الفرس

امرؤ القيس: أرِقتُ لهُ ونامَ أبو شُرَيْحٍ
التوأم: إذا ما قلتُ قد هدأ اٌستطارا

امرؤ القيس: كأنّ هزيزهُ بوراء غـيْب
أي بـِظهْر غـيب

التوأم: عِشارٌ وُلّهٌ لاقت عِشارا

امرؤ القيس: فلمّا أنْ علا كنَفي أ ُضاخٍ
يُروى: ولمّا أن دنا لـِنقا أضاخٍ. أضاخ: من قرى اليمامة لبني نُمَير. وقيل: هي من أعمال المدينة. وقيل: جبل

التوأم: وَهَت أعْجازُ رَيّقِهِ فـحارا

امرؤ القيس: فلم يترُكْ بذاتِ السِّـرّ ظبْياً
السِّـرّ: اسم لمكان


التوأم: ولمْ يترك بجـلهتها حِمارا
يروى: بجَهْـلتها

أردف المؤلّف لويس شيخو: {قال أبو عمرو: فلمّا رآى اٌمرؤ القيس التوأمَ قد ماتـنهُ ولم يكن في الزمن الأوّل شاعرٌ يُماتنه آلى ألّا ينازع الشعرَ أحداً بعده} انتهى

أمّا الوقوف على الأطلال- مثالاً- وسواه من الأمثلة فقد شاع من أخبارها ما شاع وانقطع منها ما انقطع، إذ لم يصلنا كلام العرب كلّه؛ لعلّ أهمّ الأسباب، في تقديري، هو قيام المسلمين عبر تاريخهم بحرق ما تيسّر من مدوّنات الأدب والفن والفلسفة والعلم ما لم يصبّ في مصلحة الإسلام، بل محوا آثار ما سقط في أياديهم أنّى سقط وما استطاعوا إليه سبيلاً، عامِلِين بمقولات مُضِلّة منها: كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار. ومنها: كلّ ما يُلهي عن ذكر الله حرام. علماً أنّ الباحث في كتب التراث قد يعثر على أخبار شتّى ومعلومات ووثائق

_______

http://www.ahewar.org/m.asp?i=2564

No comments:

Post a Comment