Sunday, April 17, 2011

معارضة المعلّقات العشر (٧) مُعَلّقة الحارث بن حِلِّزة

بقلم: رياض الحبيّب
22.01.2011

أقتطِفُ- بتصرّف- من سيرة الحارث بن حِلِّزة التي في ديوان جمعه وحققه وشرحه الباحث والمُحَقّق د. إميل بديع يعقوب- وهو أستاذ في علوم اللغة العربية، لبناني من مواليد 1950 في قضاء الكُورة- في كتاب عنوانه “شعراؤنا- ديوان الحارث بن حِلِّزة” والناشر: دار الكتاب العربي، لكني عثرتُ على الديوان عبر الإنترنت

{هو الحارث بن حِلِّزة ... بن يَشكُر بن بكر بن وائل... بن ربيعة بن نزار بن عدنان بن أدد، من أهل العراق. كان مُصاباً بالبرص وفي عمر شيخ مجرّب يوم ناظرَ بمعلّقته الشاعر عمرو بن كلثوم التغلبيّ، في مجلس الملك عمرو بن هند في الحِيرة (عاصمة المناذرة) مدافعاً عن قومه البَكريّين (نسبة إلى بكر بن وائل) حتى نال إعجاب الملك وأمّه وقد فضّلا معلّقته على معلّقة خصمه عمرو بن كلثوم، ما دعا الملك في حكم المصالحة بين القبيلتين إلى ترجيح الحُكم لمصلحة قومه على حساب التغلبيّين- نسبة إلى تغلب بن وائل. مات الحارث سنة 580 م عن عمر مائة وخمسين عاماً وديانته نصرانية، بحسب بحْث الأب لويس شيخو في كتابه الموثّق بالأدلّة «النصرانيّة وآدابها بين عرب الجاهليّة»  ص 423 ذاهباً إلى أنّ نصرانيّة قبيلته (بكر) ثابتة

أمّا عن صفاته وأخلاقه فقد عُرف بالفخر، حتى ضُرب بفخره المثل (أفخر من الحارث بن حِلِّزة) وأمّا معلّقته فتُعَدّ من أجود القصائد العربيّة وأشهرها، حظيت باهتمام أعلام الأدب والباحثين قدامى ومُحْدَثين ومستشرقين ولا تزال. ويُقال أنّ الشاعر قالها ارتجالاً (أي بدون تهْيئة) وهذا ما صعُب تصديقه لِمَا للقصيدة من أهميّة تاريخية (لإفادتها عن معارك جاهليّة عدة) وأخرى أدبية (دقّة الوصف، حُسْن السّبك والإشارة، تنوّع طرق التعبير، جودة المنطق والتقسيم، بلاغة الإيجاز) مع اعتبار الشاعر خطيباً مُجيداً ومُحامياً بارعاً ودبلوماسيّاً متمكّناً، من عوامل جعلته جديراً بكسب موقف المَلِك إلى جانبه وتالياً جانب قومه} انتهى

هذا مع الشكر للأب لويس شيخو اليسوعي (1859-1927) الذي عرّفنا على القبائل النصرانيّة وشعرائها مثل تغلب (ومنها عمرو بن كلثوم) وبكر (ومنها طرفة بن العبد والأعشى قيس والحارث بن حِلِّزة) وكندة (ومنها اٌمرؤ القيس) وأعطى دلالات على نصرانيّة قبائل أخرى مثل عبس (ومنها عنترة بن شدّاد) وذبيان (ومنها النابغة الذبياني) وغيرها. وقد اخترت من معلّقة الحارث الأبيات التالية

آذنَتْـنا ببَيْنهَا أسْمَاءُ-- رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ
آَذنتنا ببَينها ثُمَّ وَلَّتْ-- ليتَ شِعري متى يَكونُ اللقاءُ
بَعْدَ عَهْدٍ لنا ببُرْقةِ شَمَّاءَ فأدْنى دِيَارِهَا الخـَلْصَاءُ
لا أَرَى مَنْ عَهِدْتُ فِيهَا فأبْكِي اليَوْمَ دَلْهَاً وَمَا يَرُدُّ البُكاءُ
وبعَيْنَيْكَ أوْقدَتْ هِنْدٌ النَّارَ أَخِيرَاً تُلوِي بهَا العَليَاءُ
فتنوَّرْتُ نارَهَا مِن بَعِيدٍ-- بخـَزازى هَيْهَاتَ مِنكَ الصِّلاءُ
وأتانا من الحوادث والأنباء خـَطْبٌ نُعنى بهِ ونُساءُ
إنَّ إخواننا الأرَاقِمَ يَغْلُون علينا فِي قِيلِهِمْ إحفاءُ
يَخْلِطُون البَرِيءَ مِنَّا بذِي الذَّنبِ ولا يَنْفعُ الخـَلِيَّ الخلاءُ
أجْمَعُوا أمْرَهُم عِشاءً فلمَّا -- أصْبَحُوا أصْبَحَتْ لهُمْ ضَوْضَاءُ
أيُّهَا النَّاطِقُ الْمُرَقِّشُ عَنَّا-- عِنْدَ عَمْرٍو وَهَلْ لِذاكَ بَقاءُ
لا تخـَلنا عَلَى غَرَاتِكَ إنَّا-- قبْلُ مَا قدْ وَشى بنا الأعْداءُ
إِرَميٌّ بمثلِهِ جالتِ الجنُّ فآبَت لِخصمِها الأجْلاءُ
مَلِكٌ مُقسِطٌ وأكمَلُ مَن يَمشي ومِن دون ما لدَيهِ الثَّناءُ
اَيَّمَا خُطَّةٍ أرَدتمْ فأدُّوهَا إلينا تُشفى بهَا الأمْلاءُ
إنْ نبَشْتُمْ مَا بَيْن مِلْحَة فالصَّاقِبِ فِيهِ الأموَاتُ والأحياءُ
أوْ سَكَتُّمْ عَنَّا فكُنَّا كمَن أغمَضَ عَيْناً فِي جَفنِهَا أقذاءُ
هَلْ عَلِمْتُمُ أَيَّامَ يُنْتَهَبُ النَّاسُ غِوَارَاً لِكُلِّ حَيِّ عُوَاءُ
إذ رَفعْنا الجـِمَالَ مِنْ سَعَفِ البَحْرَيْنِ سَيْرَاً حَتَّى نَهَاهَا الحِسَاءُ
ثُمَّ مِلنا عَلى تمِيمٍ فأحْرَمْنا وفِينا بَناتُ قومٍ إمَاءُ
لا يُقِيمُ العَزِيزُ في البَلدِ السَّهْلِ وَلا يَنْفعُ الذَّلِيلَ النَّجَاءُ
* فمَلكْنا بذلِكَ الناسَ حَتّى-- مَلَكَ المُنذِرُ بنُ ماءِ السَّمَاء
وهُوَ الرَبُّ والشَّهيدُ عَلى يَومِ الحَيارَينِ والبَلاءُ بَلاءُ
ما أصابوا مِن تغلبيِّ فمَطَلولٌ عَلَيهِ إذا أصِيبَ العَفاءُ
كتكاليفِ قومِنا إذ غزا المُنذِرُ هَل نحنُ لاٌبنِ هِندٍ رِعاءُ
إذ أحَلَّ العَلياءَ قُبَّة مَيسون فأدنى دِيارِها العَوصاءُ
فهَداهُمْ بالأسْوَدَينِ وأَمرُ اللهِ بَلْغٌ يشقى بهِ الأشقياءُ
لَم يَغُرّوكُمُ غُروراً ولكنْ-- يَرفعُ الآلُ جَمْعَهُم والضَّحاءُ
أَيُّها الشانِئُ المُبلِّغُ عَنّا-- عِندَ عَمرٍو وهلْ لِذاكَ اٌنتهاءُ
مَن لنا عِندَهُ مِن الخيرِ آياتٌ ثلاثٌ في كُلِّهِنَّ القضاءُ
فرَدَدْناهُمُ بطعْنٍ كما يَخرُجُ مِن خُربَةِ المَزادِ الماءُ
وَفعَلنا بهِمْ كما عَلِمَ اللهُ وما إن لِلحائِنين دِماءُ
وأتيناهُمُ بتِسْعَةِ أملاكٍ كِرامٍ أسْلابُهُم أغْلاءُ
فاتْرُكُوا الطّيخ وَالتَّعَاشِيْ وإمَّا-- تتعَاشَوا ففِي التَّعَاشِي الدَّاءُ
واٌعْلمُوا أنَّنا وإيَّاكُمُ فِيمَا اٌشترَطْنا يَوْمَ اٌختلفْنا سَوَاءُ
أعليْنا جُناحُ كِنْدَة أن يَغْنمَ غازِيْهِمُ ومِنَّا الجَزاءُ
ليسَ مِنّا المُضَرَّبون ولا قيسٌ ولا جَندَلٌ ولا الحَدّاءُ
_______

* {المنذر بن ماء السماء: والد عمرو بن هند، يُعرَف بالمنذر الثالث أيضاَ، انتهى ملكه نحو سنة ٥٥٤ وفي البيت إقواء (وهو اختلاف حركة الرّوِيّ) فرَوِيّ القصيدة مضموم لكنه في هذا البيت مخفوض! والإقواء عيب من عيوب القافية} – المُحَقق

المعارضة
----------

غُلِبَتْ بالمَحَبّةِ الأعداءُ – وتساقىٰ كؤوسَها العُقلاءُ

بَرَدَتْ كالجَليد نارُ خِصامٍ – بيننا بَلْ خصُومُنا أصدقاءُ

إذ تسامىٰ فوق الجراح وِدادٌ – وتهاوتْ مِن سَطحِها الكبرياءُ

بعد حِينٍ وطولِ بالٍ وصَبْرٍ – ومَسَاعٍ سَعىٰ بها سُـفراءُ

بعد قرنٍ أزاحَ عشرين قرناً – وتخلّتْ عن نهْجها الصّحْراءُ

إنّ عهد البَسُوس ولّى ولن يرجـِعَ لا داحِسٌ ولا الغبْراءُ

وأتِيحَتْ للأرض فرصة عُـمْرٍ – إذ توالىٰ عَبْرَ الجهاتِ نِداءُ

مِن فضائيّةٍ أطلّتْ على الناسِ بوَعْـظٍ لمْ يُلقِهِ الأنبياءُ

وَعْظُها مِن مَواهِب الجَبَلِ الرّاسِخِ فينا طُوباهُ والإرتـقاءُ ١

فاٌستفاقتْ مِن نومِها سارة القدسِ مِثالاً وحُلْمُها العلياءُ

مُذ رأتْ مُلهِمَ المَحَبّةِ يدعوها إليهِ قالتْ بهِ الإقـتداءُ

بلْ بهِ الإبتداءُ والإنتهاءُ – ألِفٌ دامَ مَجْدُهُ والياءُ ٢

فإذا ما رآى الورىٰ مُعجزاتٍ – صَدّقوا ما جرىٰ وعَمّ الضِّياءُ

وروىٰ مَن روىٰ وصَاغ شُهودٌ – صِدْقَ بُشرىٰ قِـيامَةٍ أمَناءُ

إنّهُ آدَمُ الجديدُ أتانا – بجديدٍ فجُدِّدَتْ حوّاءُ

مُذ أجابتْ نعَمْ أنا أمَة الرَّبِّ وصارتْ أمّاً لهُ العـذراءُ ٣

فهنيئاً لسارةِ الحّبّ نِعْمَ الحُلمُ هذا ونِعْمتِ الأنباءُ

أنبأتْـني بما رأتْ فاٌلتقينا – وبكأس الخلاص طابَ اللقاءُ

يَومَ أسرىٰ بها المُخلِّصُ مِن أقصى سَرابٍ وبُوركَ الإسراءُ

فاٌستراحتْ نفْـسِي بمَقدمِ نِصْفي – لا بديلٌ عنها ولا اٌستِغناءُ

وعَرَفتُ التي تعلّق قلبي – سارة ٌ لا هِندٌ ولا أسماءُ

ووَجَدْتُ التي بها اٌنتعشَ الشِّعرُ وجاز الهوى وذابَ الحَيَاءُ

وأصابَ الخيالُ مَعنىً لحُسْنٍ – تتزيّا في ضوئِهِ الحَسْـناءُ

دِفءُ رُوحٍ وخِصْبُها والمُحَيّا – مُشْرِقٌ والسّرائرُ البيضاءُ

واٌنسجامٌ على المدى واٌتِّفاقٌ – واٌختلافٌ لكنّهُ بَـنّاءُ

بَيْدَ أنّ الأشكالَ ليستْ بمقياسِ جَمالٍ مَهْما قضىٰ اٌستفـتاءُ

رُبّ عينٍ مفتوحةٍ عَمْياءُ – رُبّ أُذنٍ عريضةٍ صَمّاءُ

فإذا أنبَتَ الزّمانُ كِراماً – شَهِدَ المَرْءُ أنهُمْ حُكماءُ

وإذا أفرز الزمانُ لِئاماً – تعِبَ الناسُ واٌشتكىٰ البُسَطاءُ

وإذا ما اٌدّعىٰ المكانة عِلْجٌ – تبـِعَـتهُ العُلوجُ والأغبياءُ

والصّعاليكُ مَن عليهِمْ دُيونٌ – وغُزاة ٌ وثُـلّة ٌ غوغاءُ

شرّ ما يُخرِجُ الزمانُ كِتابٌ – يَخدَعُ الخلْقَ حَرْفُهُ والهُراءُ

كلّ حَرْفٍ يُـقالُ ضدّ الوصايا العَشر نارٌ وَقودُها الأبرياءُ ٤

إنْ يَبـِتْ كلّ ذي كتابٍ نبيّاً – لاٌستحقّ النبوّة الشعراءُ

واٌستحقّتْ جدارة ً شاعِـراتٌ – مُذ أجادتْ عَصْماءُ والخنساءُ

حَسْبُ أهْـلِ المُعَلّقاتِ اٌفـتخاراً – سُمِعَتْ لاٌنتشارِها أصداءُ

لا يُضاهي أوزانها والقوافي – سَجْعُ هذا وذاكَ يا فُـقهاءُ

فكفى ما اٌعتراهُ وَلْسَاً ودَلْسَاً – عُرِّيَتْ من ثيابها الأخطاءُ

وعَلتْ فوق كلّ طُولٍ وعَرْضٍ – شعلةُ الحقّ واٌستضاء الفضاءُ

واٌنطوتْ صفحة الجَهالةِ بالعِلْمِ وذلّتْ كهوفُها والغِطاءُ

إنّ سَجْعَ الكُهّان ليس بوَحْيٍ – بلْ خِطابٌ وراءَهُ اٌلإنشاءُ

كلّ وَحْيٍ في خِدمَةِ المَرء معروفٌ بسِفْرٍ وكلّ سِفرٍ قضاءُ

نِعْمَة ٌ دامَ ظِلّها ودواءُ – بلْ حياة ٌ وزادُها والعَزاءُ

كالمزامير والأناشيد للروح مَعِينٌ يزهو بها مَن يشاءُ

يُفرحُ الرَّبَّ كلُّ شكلٍ من التسبيح أنّى يُسبِّحُ الأتقياءُ

هَمَّ داوودُ راقِصاً ليسَ عَيباً – رقصُهُ واٌندماجُهُ والغِناءُ ٥

وتغنّيتُ بالقصيدة للرّبّ لِوَحْي الكتاب فيها اٌنتماءُ

واٌنزوىٰ رسّامٌ برَسْمٍ جميلٍ – مِن مَعاني الكتاب شعّ البَهاءُ

بالكتاب المُقدَّس اٌنشغلَ العالَمُ طُرّاً وأبدعَ العُلماءُ

كلماتٌ بليغة ٌ لا تُضاهىٰ – بسِواها ولا تقولُ السّماءُ

*******

١ إشارة إلى موعظة الجبل في الإنجيل بتدوين البشير متّى- الأصحاح (الفصل) الخامس

٢ إشارة إلى سفر الرؤيا للبشير يوحَنّا 13:22

٣ إشارة إلى البشارة بميلاد يسوع المسيح له المجد في الإنجيل بتدوين لوقا 38:1

٤ إشارة إلى الوصايا العشر في سِفر الخروج- الأصحاح 20

٥ إشارة إلى سِفر صموئيل الثاني 14:6 وسِفر أخبار الأيّام الأول
29:15
 

No comments:

Post a Comment